الكاتب: loutes99
الآن، يتعرى ولا يخجل القلم %

الكتابة في زمن سقط فيه القلم، يماثل نهار غابت فيه الشمس، فأيّ مغزى لحياةٍ يحيط بها نفاق من جهة، ورثاء من جهة، ومديح من كل الجهات؟ عندما بدأنا الكتابة وأعمارنا أشبه بعمر الأزهار، وقبل أن نبلغ مرفأ الخريف ونقف عند سُدة الحكمة، كانت الكتابة بعهدنا ومع جيلنا قبل عقود خلت من التسطيح والتسويات وتبادل المنافع، عبارة عن أحلام تحتوينا، فينا من يصعد عتبة محدودبة ويظن أنه تسلق الجبل، ومنا من كتب قصيدة أو مقال أو قصة قصيرة واعتقد أنه بدأ المشوار، مع كل ذلك كانت أحلامنا تلك، لم تتعد على التسويغ والسقوط في التشويه، وعندما يسقط كاتب في حفرة الغش والتدليس الكتابي، تكفيه نظراتنا حتى يسقط من تلقاء نفسه…
اليوم يسقط القلم ويسقط معه التعبير وتفقد الأوراق بريقها وتخجل منهُ لوحات الهواتف والكمبيوترات وهي تلتقط ترهات من غير الوارد اعتبارها تعبير عن قلم بقدر ما هي (……)
انتهيت مؤخرًا من قراءة روايات الكاتب الإسباني كارلوس زافون جميعها وهي محدودة جدًا لكونه رحل قبل اكمال أحلامه برؤية عالم ينهار من أوكرانيا مرورًا بفرنسا وبريطانيا والشرق الأوسط…تركز همه كله في إقليم برشلونة، من إسبانيا الذي تعرضت لسحق مجزري خيالي على يد الجلاد المقبور الجنرال فرانكو، ولكن عندما تقرأ رواياته كلها، تُدرك أنه يتحدث عن بلدك وبلدي وعن كل مدينة في العالم وعن كل ظلم وقسوة وكبت للحريات وسحق للإنسانيات، لا تشعر بأنه برشلوني ولا حتى إسباني…تشمّ رائحة الإنسانية في كتاباته أينما أدرت وجهك وبحثت في رواياته الست أو السبع…
عندم أزعم الآن سقوط القلم وتفتُّت الحكمة وتعري الخجل الذي يكسو وجه حسناء التعبير، يجعلني ذلك أنحاز للعودة للوراء والاكتفاء بالقراءة والكتابة السرية! التي لا أرَ من يستحق قراءتها، ولكن أعود ويستفزني قلم هنا وقلم هناك، رواية هنا ورواية هناك…مقال ترهة ومقال قشة…حتى اطمئن إلى أنني أتنفس ما زلت هواءً طريًا ولكن خارج منظومة السيطرة الأحادية التي يرى فيها الجميع الأشياء نفسها، بلونٍ واحد ونمط واحد ونفاق، بلغ حدًا يخجل منهُ القلم ويتوارى محنيًا رأسه…
الرقابة الاردنية منعت رواية بيضة القمر للكاتب البحريني احمد جمعة..2002
الرقابة الاردنية منعت رواية بيضة القمر للكاتب البحريني احمد جمعة..2002

[10:53 pm, 15/03/2023] Bu Fahad: الرقابة الاردنية منعت رواية بيضة القمر للكاتب البحريني احمد جمعة – لدى صدورها بالعام 2002 وهي الرواية الأولى للكاتب والتي بعدها توالت الأعمال الروائية والتي بعضها منع منها “يسرا البريطانية” و”خريف الكرز” و”حرب البنفسج” في بعض دول المنطقة…كما تعرضت بيض القمر لهجوم خطباء يوم الجمعة ومنهم الشيخ نظام يعقوبي…
https://elaph.com/amp/Web/Archive/1004695392883707800.htm
[0:48 am, 16/03/2023] بوفهد: عمان -عمر شبانة: منعت الرقابة الأردنية رواية الكاتب البحريني أحمد جمعة بيضة القمر . والرواية الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر (بيروت – عمّان) تدمج بين الغرائبي والمتخيل متطرّقة الي بعض التهويمات الجنسية. ولم يصدر جهاز الرقابة بياناً برر فيه بادرته. هنا قراءة في الرواية.
منذ ولادة خلف الفرض ، اعتقد المشرفون علي ولادته ان امه خديجة بنت غانم، الملقبة بـ خديجة الفرض ، أنجبت كتلة لحم عفنة ميتة من المحتم دفنها مع الأبقار والكلاب الميتة، حيث القطط ترمي حية للكلاب الجائعة. فالزمان كان كساداً ومجاعة وتحللاً نتيجة البحث عن الرزق اليومي المفقود. ولد خلف ذات قيظ شديد الحرارة، امتلأ فيه الأفق بغبار مشوب برطوبة دبقة، وبرائحة عفنة تنبعث من جهة البحر المحاذية لمقبرة النفايات التابعة للبلدية، في منطقة تقع جنوب المحرق… وقريباً من قاع المدينة المدمنة علي البغاء السري والرطوبة اللدنة ، وزمنياً في الفترة الممتدة من الخمسينات حتي نهاية الستينات .
في هذا الطقس الذي طبع المكان، ولد خلف وسط طقوس ونكهات مميزة تداخلت مع النكهات المحلية. ومن هذه الطقوس ولدت الحياة التي ينتمي اليها خلف الفرض، ومنها أيضاً تزاوج السحر بالارث وبنكهات البهارات الهندية، بالملابس المزركشة الألوان، الفاقعة المظهر، ذات الانثناءات الممتدة من الياقة حتي الذيل، كاشفة عن ذوق سحري، يصاحبها نطق لغوي مقعر يلوي عنق اللهجة الدارجة، ويستدرجها الي مفردات لزجة تطمس المعني المراد، ليسبح الكلام في عوالم أهازيجية من لغة البحر والصحراء والأزقة الضيقة ذات نكهة الزعفران والزيت الحيواني.
هذه هي بعض ملامح العالم السحري الذي ولد فيه خلف الفرض، كما يصوره الكاتب البحريني أحمد جمعة في أول عمل روائي له، مستخدماً أساليب سرد تمزج الغرائبي والواقعي في واقعية غرائبية – سحرية، ضمن خلطة تنتمي الي بيئة وثقافة محددتين، يستغل المؤلف مجموعة من مصادر التكوين الثقافي فيها، سواء ما تعلق منها بالأساس الخرافي الذي تقوم عليه الكثير من الشخصيات، أو بالأساس الرؤيوي الذي يعتمده المؤلف لتصوير البيئة المحلية المتخلفة، عبر شخصيات نسائية في الأساس، وفي اطار علاقتها مع المدعو بـ سيار ، ومن بعده بـ خلف الفرض نفسه الذي سيرث الابهة من معلمه سيار، وسيرث علاقاته كلها ايضاً.
في البدء يرسم الروائي خطاً من خطوط الشخصية الخرافية، فهو الذي حملت به أمه أحد عشر شهراً، وشهدت ساعة ولادته لحظة تحول الحي بأكمله، حيث أكثر من حادثة ارتبطت في ذاكرة أهل الحي مع لحظة ولادته، فثمة – أولاً – كسوف شبه كلي لقرص الشمس منذ الظهيرة حتي المساء، كما جري في الحي – ثانياً – انتحار فتاة بحرق نفسها بعد علاقة عاطفية واكتشاف حملها، وثمة – ثالثاً وليس أخيراً – وفاة الملا بوراشد الذي لا نعرف الكثير عن علاقته بالقصة. وفي ما بعد ستذهب هذه الشخصية الي وقائع المغامرة مستقبلاً.
تركز الرواية علي طفولة خلف ونشأته في بيت تمارس أمه فيه الدعارة مع البحارة، فتنشأ لدي الطفل حاسة تنصت شاذة وغريبة، قبل أن تنمو هذه الحاسة وتتطور في سياق شهواني يغمر كيانه كله، ويجعله مستفزاً لرائحة أي أنثي، أو لصوتها ووقع خطاها، ويغدو مالكاً للنظر الي ما وراء الحجب، وخصوصاً حين يتعلق الأمر بالمرأة.
ومنذ البداية نحن أمام طفل بدأ في سن الخامسة يحلم بامرأة تكون رائحتها كهذه الرائحة التي تنفذ من الحمام، وتجعله يتحول… الي صَدَفة تمتلئ بالسر . وهو يتحول تدريجاً الي عيون ونظرات تحدق وكأنها تبصر وتلمس كل ما يجري ، وقد تركزت حواسه وشعاعات ذهنه في عينيه ، حتي غدا قادراً علي أن يغزو الأجساد باختراق عشوائي . وعلي رغم أن هوس السحر الذكوري بطقوس سحرية هذا لم يتعلمه من أحد، وانها ولدت معه منذ الشهور الأولي في عمره، حين كان يتمتم بكلمات وحروف هجائية مبهمة… إلا أن البيئة المحيطة هي التي أنتجت هذه الملكات الخارقة والمعجزة.
فهو في طفولته وصباه كان يتلقي الشبق بأن يلصق أذنيه بالجدار، ليسمع صوت الأجساد وهي تتصارع… لغة التحاور باللحم. وقد أحاطت به بيوت الدعارة غربي المدينة حيث تتكدس الكتل اللحمية من مختلـف الأجناس والألوان والأعمار مما يجتذب الرجال والشباب وحتي الصبية الذين لم تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة، ممن كانوا يختلقون الأعذار للاختباء في تلك الأكواخ والبيوت الاسمنتية والخشبية… . واستمرت علاقة خلف هذه مع الأصوات والظلال وتداعيات طيف الأنثي… وامتدت به حتي السبعين من العمر محفورة في خزانة الوعي، ولم تزله حياته الحقيقية التي جرت بعد التحاقه بسيار، علي رغم كل جولاته في ما يسميه مركز الشرور الغرائزي … هو الذي لم يمسك بامرأة ويخضعها لاختبار المواجهة… وظل حتي السابعة عشرة يقود المضاجعة من مركز السيطرة الكلية بخياله وسحره.
ثمة سلسلة طويلة من شذرات السحر سيتعلمها الفتي من معلمه (الذي نشعر في لحظات من الرواية أنه والده من زواج غير شرعي مع والدته) وستكون سبيلاً لسطوع نجمه واللقب، علي رغم خلفيته وجذوره، وربما بسببها أيضاً. لكن هذا التشخيص لحال خلف سيكون ضرورياً لربطه بسيار أولاً، ثم لتوضيح مجموعة من المسائل المتعلقة بوضع المرأة وظروفها ومشكلاتها. فهو يتناولها في وضع الحبيبة والزوجة والعاهرة، ويقدم تنظيرات ناجمة عن تجربة معيشة عبر سيار وعبره هو نفسه. ومن أبرز استخلاصاته في شأن المرأة، ما يقوله سيار له وهو يعرفه بأحوالها، فهي خير وشر… عندما تكون لك فهي خير، وعندما تكون عليك فهي شر. وإياك أن تحبها، دعها تحبك وقبل أن تتعلق بك تسلل مع الريح، واختفِ في الغيوم…لا تدعها تغرقك . وقوله المرأة كالعنكبوت، دعها تتسلقك، ثم اطمرها تحتك .
ولعل ما يجدر ذكره ان صورة علاقة الشخصين بالمرأة، هي أقرب الي التصور التقليدي الذي يحمله المثقفون اليساريون عن مثل هؤلاء، لكن الصورة هنا غنية بتفاصيل حول المشروب السحري الذي يعده المعلم له وللمرأة التي تأتيه ليعالجها بسحره وشعوذته، وحول الجو الساحر في البيت المتصل بالبحر في علاقة يحشد لها المؤلف الكثير من الهلوسات والهذيانات. ومما يحسب للرواية رصدها صور البؤس الاجتماعي والاقتصادي التي تنتج حياة ثرية بالتنوع في الشخصيات النسائية، وفي العلاقة بين الرجل والمرأة، هذه العلاقة القائمة علي بعد واحد هو الجنس فقط.
لعل النسوة في الرواية مثل شريفة وفرخندة ومحفوظة بلا ارادة أمام المعلم ورغبته وارادته، وكذلك امام رجال آخرين في الحارة يعتدون علي المرأة بسهولة ويسر وبلا رقيب أو حسيب. وليس من مبرر كاف لذلك سوي البؤس والفقر. وربما يكون الطقس الحار عاملاً في نضج مبكر يدفع في ظل مجتمع البؤس هذا الي الانفلات.
هل ثمة مبالغة؟ بالتأكيد، وثمة محاولة لتأسيس عالم أقرب الي الخيال. وثمة أيضاً تكرار في الوصف وتطويل كان يمكن التخلص منه. لكن العمل الروائي قد يحتمل وجهة نظر اخري لا تري ما نراه. (عن “الحياة” اللندنية)
موت رئيس التحرير!!!
موت رئيس التحرير!!!

تواجه الصحافة الورقية العالمية أزمة لم تمر بها منذ نشأتها بالقرون الماضية، جاء
أتهام الصحفي الأمريكي المعروف سيمور هيرش واشنطن بالوقوف وراء تخريب خط أنابيب الغاز “نورد ستريم” بمساعدة النرويج، ليفجر هذه الأزمة، وبصرف النظر ما إذا كان ذلك من نسج الخيال، لكن اتهام هيرش بهذا المقال على حسابه بمنصة النشر الذاتي “سابستاك” وهو الذي فاز بجائزة بولتزر العالمية وكان من أبرز كتاب نيويورك تايمز …ولمن لا يعرف هيرش فهو من فضح ووتر غيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي نيكسون، وقبلها كان قد فضح مجزرة القنابل الحارقة في فيتنام وهي المجزرة التي أثارت موجة سخط عالمية.
غادر هو وغالبية الكتاب العالميين بأشهر الصحف مثل نيويورك تايمز والجارديان وغيرهما تلك الصحف بذريعة أنهُ لم يعد بإمكانهم تحمُّل وجود رئيس تحرير يقود بقلمه مجزرة الشطب والمنع بعصرٍ تميّز بوجود وسائل انتشار الاخبار بمجرّد فضحها من دون صحافة ورقية، وأطلق هؤلاء شرارة انتشار المنصات الالكترونية الخاصة التي ستكون خلال سنوات قليلة قادمة مقبرة الصحافة الورقية، ما يعني موتها…
بداية انتشار الأخبار من حيث الرواج والسرعة تقاس أو تُعرف من حيث التدرُّج بالصحف الورقية التي كانت الواسطة الجوهرية، ضمت الصحفيين والقلم والورق وهنا خلاف حول التاريخ الرسمي ولكن الغالب القرن السابع عشر، بعدها الإذاعة، تلي ذلك التلفزيون في القرن العشرين، وأخيرًا الإنترنت بالقرن الواحد والعشرين. ومنذ تلك الساعة بدأ التهديد يطال الصحافة الورقية…
مؤخرًا شهدت الصحافة هجرة الكتاب والصحفيين منها واللجوء إلى المنصات الالكترونية، سواء الذاتية التي أنشأوها لأنفسهم أم تلك التي ترعاها مؤسسات مستقلة حرة إلى حدٍ كبير، بعكس الصحافة الورقية التي يتمترس وراء الستار رؤساء تحرير هم بالواقع دمى تحركهم المؤسسات الكبرى والشركات والحكومات، هذا ما كشفة واحدٌ من أشهر وأعرق الصحفيين وهو سيمور هيرش وكثير غيره ممن فضحوا مشرط الرقابات بالدول الغربية الديمقراطية…
إذا كان هذا حال الوضع في هذه الدول وفي صحف عريقة مثل نيويورك تايمز والجارديان، فما بالك بدول العالم الآخر؟ خذ مثلاً الصين وروسيا والشرق الأوسط، كيف تدور رحى الحقائق ضمن سياق الحريات في هذه الدول؟
هذا الاتجاه اليوم يقود لإنهاء عصر تحكُّم رؤساء التحرير وإحياء عصر منصات الكتابات الذاتية…مما ينبئ بموت رؤساء التحرير مع زوال الصحف الورقية، إن ليكن اليوم… فغدٍ…
رمزية الحلم الثوري اللاتيني…
رمزية الحلم الثوري اللاتيني…

عشقي بل جنوني بروائي أمريكا الجنونية، اللاتينية، يدفعني للغرق في حلم السباحة بالبحر الكاريبي، ورقص السلسا والمامبو مع غناء البوليرو، وشعار سيمون بوليفار محرر ثوري القرون المنصرمة…عندما أعانقأبرز هؤلاء الكتاب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز والتشيلي انطونيو سكارامتا ومن بيرو ماريو بارغاس يوسا والبرازيلي جوزيه ماورو ومن غواتيمالا بالطبع ميغيل انخيل استورياس والتشيلية إيزابيل الليندي…أنتشي بأمريكا الاتينية وبالرواية اللاتينية التي تغزو العالم الآن بأسرع من الضوء وأخطر من الغزو الهوليوودي، هذا طبعًا على صعيد ثقافي…
ما الذي فجر البركاني الثقافي هناك…فوق قمم وسفوح جبال الأنديز؟ ما الذي حرك المياه العكرة الراكدة التي جمدت عضلات دول بحجم تشلي والبرازيل وكولومبيا والأرجنتين؟ أنها الثقافة الثورية…أنهم الروائيين…أنها الطليعة الأدبية عندما التحمت مع الشعوب المقهورة وعبّرت عن معاناتها وقهرها…
الشعوب هناك كما تنقل محطات وقنوات خرقت الحصار الإعلامي الأمريكي الشمالي والغربي الذي ما فتئ يحارب تلك القارة الثورية…الشعوب هناك بحالةٍ ثورية مستمرة، ليس بالطبع على منوال شعار الثورة الدائمة البائد لترو تسكي…الثورة في حالة يقظة حتى بالدول التي استولى عليها اليسار وحاز زمام السلطة بالانتخابات، الثورة مستمرة للخروج على الفقر وضد اليمين المتطرف وضد التدخلات الغربية التي لم تصدق أنها فقدت كل ثروات المنطقة التي كانت بمثابة بقرة حلوب للغرب…
اليوم هناك في أمريكا اللاتينية صحوة ثورية جديدة ليست على غرار الثورات الغبية القديمة التي سفكت الدماء ولا على الطريقة الانقلابية الهمجية…بل هي ثورت أتت منتخبة من قبل الشعوب نجح خلالها اليسار الشبابي بالتحالف مع يسار الأمس الذي استفاد من الأخطار الكارثية للثورات القديمة…هناك جمال اليوم يصاحب الثورات، رقص وغناء وشعر وروايات وثقافة يقودها شباب وأجيال شابة متفتحة للحيا ة وليس للموت الرخيص، بالرغم مما يبذلون من دماء لحماية ثوراتهم…
صحيح ويجب أن أعترف أيضا بجانب هذا الحلم ثمة أخطاء وسلبيات عديدة صاحبت وما زالت حكم اليسار هناك الذي يجب أن ينتبه لها وقد حذر كثير من الكتاب الواعيين هناك من خطورتها، هناك عدم وضوح في رؤية بعض المتغيرات للعصر وإلى وجود أجيال شبابية متطلعة لعصر جديد، هناك من يتطلع لزيارة نيويورك للغناء وهناك من يحلم بلوس انجلوس للتمثيل…هناك من يسعى لباريس للكتابة والأزياء…تصادفها وتعارضها بعض العقول القديمة في بعض الدول مثل فنزويلا وكوبا وبوليفيا ما زالت متمسكة بضبابة الماضي و شعارات الإمبريالية رغم تدخل الامبريالية غير المباشر بصورة جديدة مختلفة عن الماضي وبلون وأسماء جديدة..
الرواية والشعر ورقص سلسا والمامبو وغناء البوليرو، هي أدوات الثورة في شوارع أمريكا اللاتينية…هل أدركنا الآن مغزى ما يدور هناك في دول سيمون بوليفار؟!
ثنائية الموت والحياة في شارع النحس
ثنائية الموت والحياة في شارع النحس

صدرت مؤخرًا عن دار اسكرايب- القاهرة

رواية “شارع النحس” لأحمد جمعة
ضياء بهزادي فتاة تبدأ يومها بإسعاف فضل درويش الكهل بعد أصابته بجلطة في سوبر ماركات، ومن حينها تبدأ الحوادث تتدفق من حولِها، تُصادف خيانة خطيبها، بعد ساعة من ذلك، ثم تَصْدم عامل نظافة- عرفان رحمن- الذي جاء ومعه حلم الثراء بالعمل في دولة نفطية وتهرب، يُشَل العامل ويظلّ مسجى بالمشفى، مُخلفًا عائلته في بلاده بين عوز وفقر وقلق على حياته، فتتحوّل زوجته بيباشا إلى العاصمة للبحث عن وسيلة لإنقاذه، وتقضي وقتها تائهة بالبحث في الشوارع فيما تواجه ضياء التي صدمته نفسها بمواجهة ضميرها وشعورها بالذنب مما يسبب لها أزمة حتى تعجز عن قيادة السيارة، لتواجه نحس الشوارع يلاحقها، حتى تلتقي ثانية بفضل درويش الأب الذي اسعفته وقد فوجع هو الآخر بانتحار ابنه سلمان بجرعةِ مخدر…
تمضي الرواية في سياقات متعدِّدة في ترابط بين الاحداث والشخصيات رغم اختلاف أماكنهم وثقافاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والمهنية، تحمل الرواية أفكارًا فلسفية حول ثنائيّة الحياة والموت وجوهر الحبّ وغرابته، مع بطل رئيسي هو- الشارع – الذي سببًا في جلب النحس…
فكما يكون الإنسان سبب في إنقاذ حياة الآخرين، فهو كذلك سببًا في دمار حياتهم! ذلك التناقض العجيب الذي يؤكد مرة أخرى على صعوبة فهم العقل البشري وإعجازه في نفس الوقت، فنحن جميعًا نحمل في داخلنا أكثر من شخصية، تظهر كلّ واحدة منها بشكل منفصل في أوقات معينة، وقد تظهر أكثر من شخصية في نفس الوقت في تعقيد متشابك وعصي على الفهم. عرفان رحمن رغم ألمه وتعاسته فقد كان سببًا في إيقاظ الحب المفاجئئ. لقد كان هذا العامل البسيط ذريعة موشاة في تدفق الحبّ في قلب بيباشا وقلب ضياء، وإعادة التوازن إلى حياة ضياء بعد فقدانها، وبداية رحلتها لإيجاد سلامها الداخلي. الصمت يحمل في داخله الكثير من الأجوبة وما علينا إلا اكتشافها عبر الاستسلام لذلك الصمت، تمامًا كما كانت نظرة عرفان رحمن شفاًء لقلب ضياء. غاص الشارع أمامها بمياهِ الأمطار، وكان ثمَّة بضعِ سيارات تائِهة بتلك الساعة، لم يخطر ببالِها وهي تقود أيّ من الأفكار المتعلِقة بالعالم، حتى أنّها رغم المطر وأضواء الشارع المنعكِسة على الزجاج الأمامي للسيارة، لم تشعر بالخوف، ولم يطرأ على بالها النحس مطلقًا، عندما اقتربَت من منزلها وقد ساوَرها النعاس، تثاءبت وابتسمت عندما خطرت بذهنها عبارات درويش، فكرَت بجوابٍ قادم لها عندما يسألها عن سلمان، ولكن فجأة قطع أفكارها بهذه اللحظة رؤيتها لعامل نظافة يحتمي تحت مظلّة سيارة عند أحد البيوت الملاصِقة لمنزلها اقتربت منه ورأته يتطلَّع نحوها وقد امتلأت عيناه بالأمل وانفرجت شفتاه بابتسامة وكأنّه ملَك العالم، نظر لها بلطفٍ بادلته نظرة طبعها الحبّ، توقفت عنده، فتحت حقيبتها وأخرجَت ورقة من فئة العشرة دينار، فتحت النافذة ومدتها له، خرج من تحت مظلّة مرأب السيارة وقد بلَّله المطر واستلم الورقة وفاض الفرح في عينيه وملأ وجهه كله. لم ترَّ وجهًا متفائلاً كوجه عامل النظافة هذا، وعندما سارت خطوات فجأة توقفت وعادت للوراء، فتحت نافذة السيارة فيما اقترب منها هو ثانية، سألتهُ عن اسمه فرد بوجهٍ هزيل وعينين رماديتي اللون وذات الابتسامة المُضيئة كأنَّها ضوءٌ من السماء.
“عرفان رحمن علم”!!!