[ قمر باريسي ] رواية أحمد جمعة
تقع في 350 صفحة صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر قمر باريسي 003
الطبعة الأولى 2009
مقطع من الرواية:
بحر أخضر،كالحلم ينزلق من تحت السطح في انحسار ثم جزر ومد،بارد وساخن ، من الأسفل وإلى السطح رونقا ينساب مع صفصاف مساءَ شهر مشوب بغبار مقدمة الشتاء، حين التبس على أهل الحي مصدر المولود المجهول الملقى بكارتونة حليب كبيرة، بجانب كارتونة معجون طماطم فارغة، وقد دثر بقماش أبيض هندي خفيف رغم برودة الطقس في هذا الوقت من السنة باقتراب نهاية شهر نوفمبر وهو الزمن الذي يقتحم فيه البرد خلسة قبل أن يعلن الشتاء الحقيقي هجمته الموحشة , فكانت كتلة اللحم الطرية ملفوفة بهذا القماش الصيفي وبحضنه قطعة تعويذة دينية مكسوة بجلد حيواني مهترء ، لكنه بدا كرسالة روحية تنبئ عن رغبة مكبوتة تبعد الشر عن المولود.
تداول أهل ضاحية حي الحالة الجنوبية المحاذية لأطراف السوق رواية الصبي المرمي والذي التقطته نعوم بعد أن لمت المشاة من سكان الحي بصراخها وتكبيرها بالله وأكبر.
سادت الشائعات فيما بعد ردحًا من الوقت بين مصدق ومكذب ، بين من نسب المولود للحي وبين من نسبه إلى أبعد من البلاد مدللاً بملامحه وبشرته البيضاء كاللبن، وسار البعض في أرجاء الحي متفحصًا وجوه فتياتها وشبانها خاصة أولئك، المهمشين من المتسكعين ومن تلك اللواتي راجت الشائعات حول سمعتهن وهن كثيرات بعد أن انتشرت المعاكسات وراجت رسائل الحب الركيكة وازدهرت الخرائب من البيوت الآيلة للسقوط والمهجورة التي يتخفى فيها المولعون بالأكتشافات الجسدية، مما أوقع الكثير من سكان الحي في حيرة من قصص وروايات خرافية عن الجن والأشباح التي تظهر هنا وهناك وتتفاقم في الليالي التي يغيب فيها القمر أو تقع فيها حوادث الحرائق والسرقات حيث يلهى السكان بالأخبار، فتزدهر المغامرات .
تتفاقم الهمسات لتصبح شائعات ثم تتحول على الألسنة المهوسة بالفضول إلى وقائع تلوكها الألسن، وتخرج القصص محبكة كالحقائق .. هكذا هو الحال في المنطقة الممتدة من منزل الشيخ سيار الذي تركه خلف الفرض لنعوم وهجره الجميع، ما عدا سائق هندي يطوف بها يوميًا بتوجيه من محفوظة المقعدة على فراش المرض منذ سنوات وكانت تختفي وتشرق من نوباتها من فقدان الوعي فتسأل عن نعوم وأحوالها ثم تهذي ببعض القصص عن الشيخين وهي غائبة عن الوعي، يمتد هذا الطريق إلى الساحل المحاذي لمنزلي عائشة وشريفة ، مرورًا بالمنعطف الذي يقع فيه منزل زمزم التي غطت الحي شائعات تتناوب نسب اللقيط إلى كل من لديه هوى يتماشى مع إلصاق الكتلة البشرية، بما يغذي حاجة النفوس للفضول المتنامي في المكان، خاصة وأن الكثير من سكان الحي يهيمون في الأزقة بحثاً عن نسب ما أو فضيحة طائشة تلهي بعضهم في حالة من ضياع منبوذ، تتقاذفه حالة البطالة التي اكتسحت الحي بعد أن انتشرت زجاجات الخمر المهربة والمسروقة والمتاجرة بها من هنا وهناك، مما أعاث في الحي عنفواناً بين أولئك الذين غاصوا في وحل مستنقع اصطياد المومسات والهاربات من أزواج غرقوا بدورهم وراء نساء شبقات أو محتاجات مما بالجميع إلى الهيام في بحر الشائعات.
في هذا المناخ الذي ساده الشك، والريبة وتبادل النظرات التي تكاد تسرق من الآخر روحه الحقيقية وتنزل به فزاعة تطارد خيالاته المنبوذة، سرق العقل من الناس وهم يتحلقون في الملاهي والطرقات والزوايا ويرشفون كؤوس الشاي والخمر وينسبون المولود المعثور عليه إلى شتى الأرجاء، إلى الحد الذي دخل فيه بعضهم الشك، في أن يكون من دمه بعد أن راح يدقق ويحث ويقلب في الصور التي تبعد عنه هذا الشك ، فما كان من بعضهم إلا أن اقترح أن يذهب به إلى دار الشيخ سيار بعد أن تستكمل الشرطة تحقيقاتها وبعد أن تبرع أكثر من شخص في الحي إلى أنه لا يجوز أن يبعد هذا المولود عن المكان الذي عثرعليه، كأن بالجميع يوشكوا أن ينسبوا المولود إليهم خشية أن يكون واحدًا منهم ويفرط من المكان، فكان هوس كل من بالحي بتبني المولود دون أن يطفح هذا الشعور على السطح.
مع اشتداد رياح المساء الشمالية وتصاعد كتلة السحاب السوداء المنذرة بموجة برد من أعلى مسافة من الحي انبعث صوت تلاوة من القرآن تذكر بالصوت الذي كان ينبثق هادرًا في مثل هذه الأمسيات الباردة من نزل الشيخ سيار البحري.
كانت التلاوة تذكر بالأيام الخوالي التي صدح فيها الصوت من هذا المنزل ، حيث كان الشيخ خلف يترك مسجله يتلوا الآيات بعكس الشيخ سيار الذي كان يرتل القرآن بصوته، إلا أن ظهور المسجل الإلكتروني في حقبة الشيخ خلف وفر عليه تلاوة القرآن بصوته، واستمر هذا التقليد إلى الوقت الذي نعمت فيه نعوم بالوحدة والعزلة، فيما شائعات كالسيل تنهمر من حولها بلغت حدًا أشاعت في الحي هواجس عن وجود كائنات جنية تنبعث في شكل أصوات وأشباح ليلية تتسلل من ثغرات المنزل ومن البحرالذي لم يعد أحدًا يدرك لماذا توقفت البلدية عن مواصلة غمر البحر ومحيط المكان بالرمال، مما زاد من مخاوف الأهالي عن وجود قوى تطرد كل من يتجاسر على الاقتراب من المنزل وساكنيه من الأشباح.
ذاب شعورها سافكًا ما حولها من تلك الذكريات العبقة بروائح الثغور ومخلفات وبقايا الشيخين وأوراقهما الصفراء، وهي تقضي الساعات من يومها الطويل، التنقيب بين دهاليز هذه القراطيس في محاولات لفك الخط ، وهو أمر يصعب عليها تحقيقه مع انعدام فرص فك الخط ، إلا أن بعض المبادئ التي تولى الشيخ خلف في أيامه الأخيرة تلقينها قد ساعدها على توسيع فضول القراءة لديها وهو ما دفعها بعد رحيله إلى التسلي بما عثرت عليه من أسرار ورقية وطقوس مكتوبة أدى بها إلى الربط بين ما كان يقوم به في البداية الشيخ سيار ثم لحق به الشيخ خلف، فتكون هذا الإرث عبر لسعات الوحدة وكآبة الشتاء، فساعد هذا الفضول على اختصار ساعات النهار واختزال وحدة الليل وإشاعة روح الانصهار مع كل موروثات الشيخين من أعشاب وأوراق وطلاسم وأشكال تتوزع بين مختلف الأسرار وكانت الأوقات المتدلية من عنق الفراغ تجتذب فضول متناه يسبر أرجاء المنزل المكتظ بنثريات وبقايا الأموات الذين تركوا الأرض تلتهم رائحتهم ولا تفارق أنفها فلا تكاد تبتعد هذه الروائح عنها لومضات حتى تعاودها من مسافات بعيدة غائرة في ألزمن الذي عاش فيه الشيخان، تتداعى الذكريات وتتنفس من كل مكان في المنزل.
تدلت نعوم من محيط غائر تسكنه أرواح تكن لها جبالاً وسماوات ومحيطات من البهجة المغمورة بالطمأنينة، يعبق سماءها بالسجاد الفارسي الذي يغطي غرف المنزل منذ أن فرشته محفوظة بالأيام الخوالي عندما كانت في ريعان شبابها تتردد على الشيخ سيار, ومحيط يكتظ بالدواليب والكنبات العجمية المتهرئة أطرافها، منذ أن فقدت محفوظة صحتها وعجزت عن المجيء إلى المنزل لتتأمل كعادتها المكان وتعوض المتهرئ والتالف، فاستنجدت نعوم بخبراتها العشوائية للحفاظ على ما تبقى من الأثاث، واستعانت بما لديها من أدوات الشيخين الراحلين في تدبر أمور الروائح وتعطير المنزل كلما نفذت ريح الشمال الشتوية نكهات البحر والسمك وبقايا مخلفات الساحل الذي أهمل عمال البلدية الاقتراب من المكان الا فيما ندر لاجتثاث النفايات التي يلقي بها سكان المنطقة أو تجرفها أمواج البحر لتلقي بها على حافة المنزل وبمحاذاة النافذة التي تطل عليها غرفتها، فلا تملك إلا أن توقد النار وتحمي الفحم وتبخر المنزل فكان ذلك من جهة أخرى يسبب عطسًا متواليًا للطفل الذي التقطته وراحت ترضعه إلى أن جاءتها ذات صباح ثلة من نساء الحي وسيدة ادعت أنها من دائرة الصحة والمواليد للتحقيق في صحة رواية المولود.
– ماذا كنت تفعلين عند الساحل في هذا الوقت؟
سألتها إحدى النساء وكانت تمعن في أرجاء المكان بنظراتها الفضولية.
– أسميته مبارك.
وكأنها أرادت أن تهرب من نظرات المرأة بالتوجه الى هذا الجواب وأردفت للتو..
– كان باردًا وعاريًا وكأن من أنجبته أرادت موته وأسمته مبارك لأنها كانت الليلة الأخيرة من رمضان، فكان مباركًا بمجيئه ليلة العيد.
صمتن النساء وتطلعن إلى نعوم التي قفزت بغتة لدى انطلاق بكاء مبارك.

” وداعاً يا بنشي الجميل، أراك في الغد عند نافذة الزبير” images ةة0
( يسرا البريطانية )
عرفت أن الخطوط الحمراء موجودة في كل مكان من هذه الدنيا، لكنها لم يُخيل لها أن هناك عرشاً من الرماح ينتظر جلوسها عليه لأيام، تتحمل جبالاً من المشاعر المنذرة بالرعب القادم، سمعت عن المحاكم الثورية والعسكرية الميدانية السريعة، لكنها لم تتصور أن هناك من ذهب من النساء والرجال وحتى الأطفال للإعدام، لمحت في ساعة صفاء ذهني نادرة شبح نجوى القطان فوق سطح الدار تنشر الملابس المغسولة على الحبل، ومن بينها البذلة العسكرية لجبار الشريف، تراءى لها طيف لطفلة صغيرة تقف على بعد خطوات من المرأة تتطلع للزي العسكري، فترى فيه الشموخ الرمزي لشيء يبعث إحساساً لم تدركه ساعتها، لاح لها الآن على مقربة من الموت، ساد الصمت أيامها التالية وهي محتجزة في حجيرة مكتظة بالنمل والحشرات، يعلوها سقفاً خشبياً، ينبعث منه الغبار طوال الوقت ويسبب لها السعال المتواصل، وصلت المكان عبر ناقلة كبيرة محملة بالمواد عبرت بها الطريق معصوبة العينين لم تعرف شكل من كان يرافقها على الناقلة ولا هويته ولا العدد، باستثناء صوت رجل كان يسعل بين فترة وأخرى
تصدر قريباً

هل توجد قوائم سوداء في الحركة الأدبية؟

مقابلة أجريت في صحيفة البلاد البحرينية مع الصحافية هدير البقالي حول
Picture 096القوائم السوداء في الحركة الأدبية

الموضوع المثار اليوم في هذه الأسئلة المتعلقة بالقائمة السوداء تعود بي الى حقبة تاريخية من العالم، وتحديدا في الولايات المتحد الأمريكية فيما سمي بحقبة المكارثية وقائمتها السوداء التي ضمت كتاب الأعمدة الصحفية والمسلسلات التلفزيونية وكتاب السيناريوهات السينمائية ومسرحيات بردواي وغيرها من أعمال الكتابة التي رافقت مرحلة تاريخية مرت بها تلك الدولة التي استعادت فيما بعد وعيها ووعي الكتاب والناشرين والمؤسسات الصحفية وغيرها من القنوات الابداعية، هذه فقط ديباجة رافقت ذاكرتي حينما قرأت تلك الأسئلة الطارئة والمدهشة التي فاجأتني من صحفية في البحرين ومن جريدة بحرينية تطرقت الى هذا الموضوع المسكوت عنه في الصحافة، وحتى في الساحة الثقافية والادبية وبالتالي حرضني ذلك على الكتابة والرد على تلك الأسئلة من منطلق ما تثيره من حساسية تجاه الكتابة وتجاه النشر والابداع بشكل عام واتركي لي مساحة التحرك في مواجهة هذه الأسئلة التي هي في حد ذاتها مصيدة!
– المصيدة التي يقع فيها الكاتب ليست متعلقة بوقت او مكان محددين فهناك دائما أمام القلم شرك يتراقص حولك ويبدو مستعدا لاستقبالك ان لم تكن محاسباً لقلمك ولمسئولية الكتابة ،صحيح هناك حرية للتعبير وهناك سقف دائما مفتوح للتعبير ولكن هناك كذلك نسيج ليس من القوانين ولا أدوات الحظر ولكن السياج الاجتماعي والموروث الثقافي والأرث البيئي بمعني البيئة الاجتماعية والتربوية هي التي تتدخل للحد من التعبير خاصة في المجتمعات العربية المشربة بالكثير من الحواجز، وهنا تكمن القائمة السوداء ، فردا على سؤالك الأول لا يرتبط وقوع الكاتب في مصيدة القائمة السوداء بوقت ومكان بقدر ما ه مرتبط بالقلم ذاته!
– التشابك موجود منذ لحظة خط القلم العبارة الاولى وهذا ينطبق على الكاتب المعبر دائماً عن جوهر الواقع لا عن سطح الأحداث فالغوص في الواقع والتوجه نحو قاع الحياة ونبش المضامين القائمة هو ما يجعل الكاتب مميزاً فيما اذا كان معبراً ام لا عن الواقع المحاكى للمجتمع ، متى تتعارض الكتابة مع السلطة؟ حينما يخرج الكاتب عن النصوص وحين يقفز بالقلم الى ما وراء ما يسمى بالخطوط الحمراء ولا يوجد معنى للخطوط الحمراء محدد، فالأمر موزع بين هذا الكاتب وذاك فما يكون خطاً احمر عند هذا لا يكون عند ذلك ولكن يقفز الثالوث المحرم كلما تجاوز المبدع والكاتب تلك الخطوط المتعلقة بالمجتمع نفسه، فعلى سبيل المثال ما يمكن الكتابة عنه في البحرين قد لا يمكن الكتابة عنه في مصر او السودان او الجزائر او أي مكان آخر وبالتالي تتداعي وتتشابك الالتباسات بين الكاتب ومجتمعه قبل ان تتشابك بينه وبين نفسه كما ورد في السؤال.
– الترويج للمنتج الثقافي وللكتابة عامة وللفن أيضاً لا يمر بالقائمة السوداء، سوف يسقط هذا العمل وينكشف اذا لم يكن على مستوى من الابداع ولهذا لا أظن ان المتلقي سوف ينخدع بلعبة القائمة السوداء لأن التمييز واضح بين الفن والتجارة ، فأنت لا يمكن خداع المتلقي بتكلف دخولك القائمة، هناك قوائم موجودة على الاقل في الأفق ولكن العصر وزمن العولمة لم يعدان يسمحا بوجود قوائم، لقد سقط زمن القوائم التي عهدناها منذ سقوط جدار برلين.
– كيف ..؟ لعلي لم استوعب السؤال ؟ أو على الأقل لم اقترب من المغزى الذي يرمز اليه ، هل يعتبر مصادرة حق الكاتب ضرب من ضروب الحرية ؟ لا يمكن ان تكون الحرية الا الساحة البيضاء أمام الكاتب ، اما امتداد او تداعي هذه الحرية فهو يعود الى ما ستمتلئ به هذه المساحة البيضاء من حروف ونقاط ؟ ثم ما معنى المخملية ؟ هل الحرية الشائكة والتي تدمي كمشرط الجراح هي المساحة المطلوبة ؟ ثم ان مصادرة حق الكاتب أمر يعود الى الواقع من جهة والى القوانين من جهة أخرى والى وعي الكاتب والى أين يقوده؟ .
– صدقيني اليوم لا وجود للمصادرة والمنع بمعنى المنع المققن والقائم في الأوساط الثقافية وهذا ينطبق على الكثير من الدول ، فانا عل سبيل المثال في روايتين هما “بيضة القمر” و”قمر باريسي” خضت المساحات ونبشت في المسكوت عنه وتعاطيت مع الثالوث المحرم بكل أريحية ومن دون تعتيم ولك أن تقرئي العملين وستكتشفين بنفسك مساحة المسكوت عنه الذي لم يعد مسكوت عنه وقد حدث ان صودرت الرواية الاولى في الاردن لفترة وجيزة ثم افرج عنها ولم يكن هناك غياب لمسار الكتابة حيث استرسلت فيما بعد بالتنقيب داخل المسكوت عنه، لقد كان لاقتحام ذلك المسكوت عنه ثمناً جميلاً جدا وكسبت منه انتشار الروايتين في المنتديات الثقافية والادبية ووصلت الى منشورات “أمريكا بوك” وهذا الشعور بالاقتحام وبالنتيجة يعادل الجهد المبذول في حالة الخوض وراء الابواب المغلقة ، لم احتاج ان أصل الى مستوى تهريب الكتاب ولا والى حالة الممنوعات المحرمة بل وصلت الى القراء بحرية وان كانت صعبة المنال لدى الوهلة الاولى لكنها تستنتج بنفسها القوة على الشعور بالحرية من أن تعتدي على الحرية للآخرين، فيما تحي عن زمن وموضوع .
– شخصياً لست من هؤلاء ولا أقر السوداوية من منظور فرضها على الواقع ، الكاتب طليعي الفكر والوعي بطبعه وان أراد ان يعالج المشكلات والإشكالات فهو ينطلق من منظور آليات الكتابة الحيوية المشغوفة بتحسين الحياة وليس بتعتيم الواقع الذي قد يكون معتماً ولكن الكاتب دائما يجد بصيص من النور حتى في الليالي السوداء المعتمة والا فقد القدرة على التغيير نحو الأفضل ، صحيح الكاتب لا يغيير بكتابة الحروف والكلمات ولكنه بواسطة الكتابة يدل الأخرين على التغيير وهذه وظيفة الكاتب وليس بالاصرار على التغلغل في المحظورات لأهداف دعائية فحسب.
– في رأي تجاوزنا الثالوث المحرم بقدسيته السابقة والقديمة فقد أسهم الإسلام السياسي ودخول الدين حلبة السياسية على سحب البساط من تحت أقدام المتأسلمين سياسياً ويرجع الفضل في ذلك الى خلط الدين بالسياسية فحدث الانفراط من الثالوث أما بشأن الجنس فان عصر الانترنت والفضائيات المفتوحة والكتب المنشورة بواسطة الانترنت كلها شرخت جدار المسكوت والمحظور الدخول فيه بشأن الجنس، أما ثالث الثالوث وهو السياسية فان التغييرات التي طرأت على العالم وتعدد الأفكار وبزوغ الديمقراطيات فقد فتحت السقف الى أكثر من الثلثين وهذا تقدم .. اذن الثالوث في رأي لم تعد له عذريته.
– هذا جيد أحيانا اذا ما نظرنا اليه إعلامياً ومن شأن كثير من الكتاب ان ينساقون بأنفسهم الى المحاكم لغرض الدعاية، طبعا ذلك ليس تعميماً فما زلنا نحتكم الى المحاكم في كثير من حالات العجز عن الدفاع الفكري ، نعم بعض الكتاب يمارسون لا اسميه بالجرم على الورق فذلك قاس جدا ولكن بحثا عن اللذة الصارخة المستفزة وهذا موجود لدى البعض.
– هذا ما يميز الأعمال التجارية والاستهلاكية والكتابة اليومية الصحفية ولكنها لا تنطبق على الفن والأدب، فالثقافة لها طابع من الرقي الذي لا ينحدر الى هذا المستوى وأشك في ان المبدع تستهويه العناوين الملفتة، الا إذا كان من الطراز الاستهلاكي.. فالإبداع محتوى ومضمون وهو يفرض جوهره على الجميع من دون ان نضعه في صناديق مختومة بالشمع الأحمر، خذى مثالاً كتب الطبخ مهما ازدهرت بالصور والألوان والورق المصقول والطباعة المفتونة لكنها تظل كتب للطبخ ممتعة وجيدة للبطون ولكنها مفلسة في أغلبها للعقول ولذلك فان الابهار يأتي من المضمون وليس في الشكل.
– الوقت والمستقبل في صالح هذا التوجه والذي أعني به استشعار الحرية من دون التوجه الى تهم التكفير ومهما بدت الساحة مشمولة حالياً بألغام الصحوة الدينية المسيسة الا ان المؤشرات في صالح انحدار هذه الموجة وستكشف الأزمنة التي ليست بعيدة عن هذا التوجه المعبر عن انحسار المد المتشدد وهذا في صالح الكاتب والحروف والكلمات.
– القائمة السوداء موجودة وغير موجودة، الكاتب وحده مقدر له ان يلغيها أو يبقي عليها ونحن اليوم في عصر العولمة ليس هناك وقت ولا مكان للقوائم السوداء الا لمن أراد ان تبقى هذه القوائم في ذهنه وذاته المبدعة.