من رواية “ابنة زنا” تصدر لاحقًا

“عفاف، فرح هي والدتك الحقيقيّة، مني أنا بالطبع”!!

 رنين هذه العِبارة خالد في رأسي ومعه سيلٌ من حمّم بركانيّة، نهرٌ لا نهاية له، بحرٌ من الرمال المتحرِّكة تقفز بيّ من كوكبِ الأرض إلى كوكب مسخ وتعود بيّ لكوكب الأرض فأجد الواقع ليس واقعًا والخيال ليس خيالاً وأنا لست أنا، وكل ما عرفته مرّرت به وحلمت به وسافر في خيالي، كان سرابًا ما عدا يوسف وفرح اللذين صارا هما ما بعد الواقع. أقفلت عليّ الباب لليلتين سديميتين ظلّلتُ أحصي في عتمتهما أعداد السنين والشهور والأيام التي جمعتُ خلالها النجوم في السماء وحضنت الأقمار في كل ليلة أسبح فيها عبر الشرفات والنوافذ يحدثني عن السهر والليل والنجوم ونرسم معًا كحالمين بالتغيير على طريق الأحلام وسُبل تحقيقها…ليلتان لم أنم فيهما ولم احتسِ سوى جرعات مياه ومسكن من أقراص زناكس، اعتدتُ كل عام على ابتلاع حبة أو حبتين أستعيرهما من أبيّ عندما أكون بألم الدورة الشهرية حينما تخرج عن السيطرة أو بحالة نفسيّة تستدعي الذوبان في غيبوبةٍ أخرج منها بعد جولة نفسيّة تخيّم عليّ ظلال قاتمة، لا تفسير لمصدرها سوى العزلة، ينتشلني الأب الأسطوري الذي لا أقارنه بإنسانٍ سوى به هو ذاته. لم يطرُّق الباب سوى مرة واحدة وكأنما يخشى المواجّهة معي، وبالمرة التالية كانت فرح التي طرقت الباب بعد إجرائها عملية غسل الكليّة ثم صمت حتى يئستُ وضاق صدري وكاد ينشطر فاستدرجتُ يوسف بحيلة أنّني أريد العودة للديار وكانت تلك صدمة الموسم الصاعقة، فهو يدرك حجم كرة الرماد المعجونة بالخيبة التي فوق رأسي من ظلال الوطن ومدى بغضائي لترابه لمجرّد العودة للظلال الكئيبة تحت سقف غرفتي التي لا أكاد أغادرها. كانت حيلة مُفبركة لاستدراجه وإخضاعه لموجة تأنيب لا يخرج منها انتقامًا مما لحق بيّ من تزوير. أما فرح فقد أجلت مهمتي الرمادية معها حتى أفكِّر بكيفيّة التعاطيّ والتحُكم بانفعالاتي مع “شقيقتي” سهام خلف من والدتي فرح التي أودّ أن أحكي معها عقديّ زمن حتى أعبر نفق العتمة التي كنت في قلبها السرّي وكيف مضت تلك الذكريات، أيام وليالي وساعات ودقائق وثواني، كيف تحملتُ كل هذا الغياب؟ هل كانت تعلم بتطور نمو ابنتها؟ وهل هي من أسمتني وهل أحبتني كما أحبت سهام ودينا؟ وووو وكل هذه الفضاءات التي غابت عني ماذا كانت تفعل هي غير الأحزان والذكريات وما الداعي للتخلي عني؟ يا للهول من هذه الأسئلة ومن أجوبتها الخرافيّة.

قبل استدراجي له ولعبتي التي بدأتُ أنسج خيوطها لأجعل منه إلعوبة بيدي وأنتقم ولو من أول يوم سرقني من وجودي الحقيقي وحشرني في العدم، طرقتُ بحذرٍ شديد شرفة سهام التي يفترض أن تكون شقيقتي ليس في الخيال الهندي بل هي الواقع الذي طارد أبي وما يفترض أن يكون والدنا نحن الاثنتين. اتصلتُ بها بعد منتصف الليلة الثانية وأعرف أنها لا تنام مثلي، أتاني صوتها يشي بنبرةٍ سماوية أدركتُ معها كيف ظلمتُ ابتكاراتها العصيّة على الفهم من أجل الوصول لشاطئ المرح الذي نحن فيه الآن:

“أظنّ الآن أنتِ بحكم أختي سهام، أم أنا مخطئة وما هذا سوى كابوس مرّ ببطء؟”

“ولماذا لا يكون حلمًا جميلًا عاد بنا إلى أرض الواقع؟”