نبذة عن رواية “شتاء المنافي”

شخصيات ضوئيّة، غرائبية، الرواية تروي عوالم ذاتيّة وموضوعية غريبة تشيء عن حيوات متناقضة داخل كل شخصية، فتبدو خرافيّة مع أنها نبتت في الواقع الراهن الذي وُلد من رحم الماضي السحيق، الذي يعود لعصر تجارة الرقّ، عندما وصلت سفن وقوارب تجار تهريب الرقّ موانئ وسواحل الخليج، تغرُّف الأطفال والنساء والرجال، ليقوم متاجرون محليون واستعماريون متخفين، بتوزيعهم كرقّ. فكان هناك الجدّ سالم الحلو، جاء شابًا مع غرباء سرعان ما تحولوا لأجداد وآباء، يباع ويُشترى فيهم، حتى يستقر أحدهم بدار وجيه من الوجهاء حينها.
هناك هنيدة الطفلة التائهة التي اكتشفت نفسها، بلا أرض، ولا سماء، دون أسرة أو ذكريات، في عالمٍ غريب، سرعان ما تنخرط مع غيرها في العمل كخادمة وهي ما زالت طفلة، ليتكوَن عبر هاتين الشخصيتين عالم جديد، يشهد تناسل أبناء وأحفاد منسلخين عن واقع الحياة اليومي المُترع بتفاصيله وبالترهات. واقع شخصيات كصباح فضل بن علي، وفرج سالم الحلو مع جده سالم والوجيه راشد بن خميس. هذه الشخصيات تشكل هي ذاتها سببًا في نشوء أسرة متفرِّعة، وفي الوقت ذاته متطاحنة، مكونة نسيجًا من التائهين الذين يبحثون عن ذواتهم ضمن دولاب الضياع والألم والذل. فهم أنفسهم باعثًا في تدمير حياتهم، يبرز التفاوت في سوء الفهم بينهم بعضهم بعضًا من جهة، ومن جهة أخرى العالم الضبابي، لتبدو الحياة في ومضةٍ أقل هيمنة من التناقض الذي ينقض عليهم جميعًا ويجسد بمرارةٍ عذاباتهم وهم يحملون داخل رؤوسهم ذكريات عبوديتهم من قاع عالم الرقّ، الذي خرجوا منهُ ونالوا حيرتهم بدلاً من حريتهم، فليس شرط أن تتحرّر من السيد حتى تضحى حرًا.
هذا ما توصلت له شقيقتهم الصغرى نسيمة، عندما لم يفهموا كيف يفكوا قيودهم الداخلية، كما هو حال الآباء والأجداد والأجيال التاليّة باستثناء نسيمة التي تمكنّت من فكِّ قيودها، لأنها تمرّدت وتحرّرت نتيجة خطيئة تبدو في عيون واجهة المجتمع خطيئة كبرى لا تغتفر. تلك هي حقيقة أزمة فهم العقل البشري وعجزهِ في ذات الأفق عن إدراك مغزى ما جرى، فهذه الأسرة قاطبة تعيش داخل فرد منها أكثر من شخصية، تبرز كلّ ذات منها بشكل مستقل عن الآخر في مواقف حاسمة من الحياة، تبرز أكثر من شخصية في ذات الوقت، ضمن تعقيد متعقد ومتمرِّد على الفهم. كنسيمة الابنة المشكوك في نسبها. وصباح عضو المحكمة الدستورية، الذي تقلّب على الواقع كما على الجمر، وتغلَّب عليه، ورفض الولاء الأعمى، تعاسة الوقائع المُتشابك والأزمات، كانت سببًا في تغيير الواقع من راكدٍ إلى مُتحرك. كما شكّل حافزًا في إيقاظ الحبّ النائم كالفراخ في الضباب، وقاد لومضاتٍ وطفراتٍ من السلام الداخلي مع الذات…بعد تَحطُّم الأحلام الكبيرة على صخرة المنافي الشتائية والإقصاء..