الشهر: نوفمبر 2024
لمدينة المعرة بأدلب – حلب – القرنفل التبريزي

من رواية القرنفل التبريزي- دار الفارابي – بيروت
إهداء لمدينة المعرة بأدلب – حلب
أ … ح … م … د … هو، رهين المحبسين، احمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعّري…، مدٌ وجزرُ، لا نور، ولا شمس، لا ضوء ولا شعاع، لا سماء ولا أرض.. غريب بالديار، أوَى بمجرةٍ فلكية تمتد عبر شرايين الجسد، عشيقته وجهها الأزلي مضاء بلون الرب، مقيدٌ بأمر الخلفاء الموكلّين بحكم الأرض، زهد بكلّ الملذات واحتجب العزلة، إباحةٌ لا عُنْوة، كسر طوق معصمه وحرر عقله من مجرة الغوغاء وقرر الاكتفاء بخيمة الفلسفة…
– ارحلْ بذاتك بعيداً إذا لمحت قافلة الطبول آتية!
اتّكأ احمد بن عبدالله، على مصطبة بجوار مسجد تليد ناهز الستين عامًا، ضجّ بصوت الأذان، ولبرهةٍ خاطفة، رنّت أجراس واهنة من منعطف البيت العتيق، تطلّع ببصيرة حَصِيفة لأفقٍ شاهق بينما جلجلت عقيرة أجراس كنيسة محاذية لسوق مدينة المَعّرة التي سادها الغبار وطفقت ملتهبة بشمسٍ موسمية في قيظ المَعّرة بشام النجمة، خرج لنزهةٍ سرية منتقاة من بين أوقات الضيق والحصار، لمح بسمعه المرهف أصوات الناس تلهث بالدعاء لكسر انحسار المطر، شقّ عنان السماء أصوات المآذن ورنين الأجراس وهي تصدح، تآلفت المساجد مع الكنائس، فجلس مبتسماً ووجههُ مُنْحنٍ لزاوية الشمال، وقال بنبرةٍ يقينية مخاطباً كائناً ضباباً، كشبح من وراء سديم المجرة:
” فَلاَ تَحْسَبْ مَقَالَ الرُّسْلِ حَقّاً، وَلَكِنْ قَوْلُ زُورٍ سَطَّرُوهُ، وَكَانَ النَّاسُ فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ فَجَاؤُوا بِالمُحال فَكَدَّرُوهُ“
رفع رأسه بتؤدةٍ وأصغى لخطواتٍ وشيكة تدنو منه، تنفّس الصعداء، وأطلق زفرة حادة، تورّد وجهه الخمري اللون، بتضاريس شحيحة كَسَت بشرتهِ التي اعْتَلتها بثور الزمن وأطْلال المرض، عيناه المتقدتان جمراً تنبئان ببصيرة ترى المجرات وراء السماء، تنهد الألم وقال مخاطبًا شبح البيد بالمَعّرة وقد اكتست بقاياه بالحزن والغبار ولوعة الوجود الذي كدس الناس بزحمة للوقوف بباب الغيب وانتظار المرتجى…
“يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرســاء، كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمســاء، فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرســـاء، إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤسـاء“
نفخت الريح أوداجها، وعصفت بالأوردة، بلعت الشمس أنفاسها وزفرت جذوتها ثم تنهدت والتفتت للأعمى السامق نحو السماء هو الذي ما فتئ يبارز شبح الظن:
“ما أقلّ العالم وما أقلّني فيه“