رواية تصدر قريبًا
لوحة تعبيرية افتراضية من المختارات العالمية

أنا من سكنة منطقة الحورة بالمنامة العاصمة، كنت هناك ذات مرّة، وُلِدت فيها ولكن هنالك قصة طويلة معقدة وشائكة هاجرتا بيّ في سنٍّ مبكِّرة إلى مدينة المحرق الرماديّة، وتحديدًا ساحلها البحري المُطِلّ بواجِهته الغباريّة ونكهتهِ البحريّة على جسريّ الشيخ حمد وجسر الشراعين، الذي يربط بين منطقة البستين، غربي شمالي مدينة المحرق العاصيّة بحسب قاموس النظام قبل أن تفْقد عذريتها والعاصمة، انتقلتُ إليها وعمري خمس سنوات كما يتبادر لذاكرتي المُشْرَدة وراء أم طوافة بشتّى الأرجاء، من حيٍ لآخر ومن شقّةٍ لأخرى ومن زوجٍ لآخر وإن كنت أشكّ أنها كانت متزوجة سوى من والدي الذي كان بحسبِ ادعائها الأخير، وما تحملهُ ذاكرتي المُتعبة وأنا الآن بعمرِ الواحدة والثلاثين، أن فرح والدتي أُجهِضت بفتاةٍ بعد طلاقها من والدي بسنةٍ ونصف، ورغم تشتُّت عقلي وقتها لكثرةِ التنقُّل معها إلا أن ذاكرتي تحفظ كل تنقلاتها وتحفر في شتى الطُرق ودهاليز الأحياء التي تقطعها باستمرار وأنا برفقتها ونادرًا ما تسلمني لأحضان جدتي العصبيّة التي لم تبتسم يومًا بحياتها، لتسقيني بدورها النعوت عن أمي اللعوب وهي تخلّفني عندها لتبحث عن المتعة الحرام، كانت المرّة الأولى صادِمة وأنا أتلقن منها تلك التُهمة ومع الوقت واجترار مختلف النعوت بهذا الجران لم أعد أعبأ بثورتِها ولا بنظرةِ الشكّ نحوي وكأنّها في ريبة حتى من نسلي أنا. كانت تتحرَّى بشرتي بعينين موغلتين بالارتياب فيما يتعلق بولادتي وإن كنتُ من صلب ابنها والدي الذي فجأة وسط فوضى أسريّة شاملة اختفى من عالمي، كنتُ صغيرة ولا أعي ما يدور سوى لغط أنصتُ له وصدمة هنا وهناك، حول مخدرات، سجون، هروب، قفَز مرّة أو مرتين بعد اختفاء شهور وكانت آخر مرّة رأيته فيها أثناء مشاجرة سال الدم من فكّها فوجدتُ نفسي بمستشفى ثم مركزًا للشرطة ومن حينها لم أبصره.
نشأتُ أحمل اسمه- خلف- ولكن لم أشعر يومًا بأنّني كبقيّة الأطفال حيث تمرّغتُ بغربةٍ ومتاهةٍ وأنا بعمرٍ لم أكنّ مستعدّة لفهم العالم سوى أنّني مع أم تائهة تتنقل بيّ من مكانٍ لآخر وأحيانا تودعني في منزل جارة لها إذ ما كانت على خلافٍ مع جدتي التي لفظتها أخيرًا في وجه أمي بكلِّ بذاءة:
“أنت عاهرة وطفلتكِ ابنة زِنا”
“هل كنتُ كذلك؟
“تركتُ ذلك خلفي لأعيش حياتي”