الشهر: ديسمبر 2023
خرافة الترجمة بزمن الانحطاط الثقافي

الترجمة من العربية للغات الأخرى وتحديدًا الإنكليزية، خرافة واقعية مقارنة مترجمًا بمكانة صالح علماني، الإسبانية، منير بعلبكي الإنكليزية، وقليلون يؤلفون الترجمة كما لو كانوا هم الروائيين المبدعين. مرّرتُ بحسرة بعد طوفان التجارب النووية لترجمة نص روايتي يسرا البريطانية، وكأن المطلوب عالم لغات فضائي حتى يتأهل لمستوى الخرافيين المبدعين من أمثال علماني.
البداية مترجم زكتهُ دار النشر العريقة التي نشرت الرواية وأغلب رواياتي الأخرى مشكورة، وقبل أن يبدأ سقط نيزك من السماء وأوقفه، فرشح مترجم معروف ولديه خبرة طويلة وبدأ العمل بجزءٍ من الرواية، فأوقفته وأبلغت دار النشر بنسخة من الترجمة فكانت سطحيّة صادمة نقلت بلغة الصحافة. فأعذرت المسئولة وأخذتُ المهمة على عاتقي حتى وضَع القدر صدفة مترجمة خبيرة وقارئة للروايات وتدير مكتب للترجمة بالإضافة لمعرفة اجتماعية. قطعت شوطًا في ترجمة فصول من الرواية، رأيت فيها نكهة غرائبية تكاد تجاري الرواية، سعدت بذلك وبعثت الفصول المترجمة لصديق مخضرم شيخ في الترجمة غير الأدبية ولكن نظرته الثاقبة وحدها تكشف ثنايا وأسرار العمل. فجاءت الصدمة مطابقة لملاحظات دار النشر الأجنبية من حيث عدم مطابقة فقرات من الرواية إضافة لسقوط بعض الفقرات وعجز عن ترجمة مفردات مجازية صعبة!!
آخر محاولة كانت قراءة من صديق أجنبي يحمل الجنسية الغربية ومعرفة قديمة عمل بترجمة الأشعار خاصة، قال بالحرف: هذه الرواية بحاجةٍ للمترجم الذي درس المجاز وقريب من العمل بقدرك أنت.
آخر رأي متطرف سمعته وهبط عليّ مثل كابوس هاري بوتر وكدت أقتنع به لولا حاجز المنع الشائك الذي سدّت به الطريق ابنتي وهو: انشر العمل على أيّ حال بالترجمة شبه المكتملة واترك المجهول أو الغيب يحدد المدى، من يعلم ربما هذا الذي سيحقق الإنجاز، نحن في عصر القراءة السريعة والسهلة الممتنعة، هل تظنّ أن كل الأعمال العربية المترجمة واجهت مثل هذه الاختبارات العصية التي يضعها المؤلفون؟ هناك من يحلم بأقل من ذلك، غير ان الابنة الحصيفة قالت: ستوب أوقف المهزلة ودع الرواية ترقد في سلام وسكينة حتى يحين موعد استيقاظها.
هل نحن بزمنٍ عربي منحط ثقافيًا فقدنا فيه كرامة الأدب حتى سبقتنا القارات الخمس بطي ملف الترجمة للغات الأجنبية…لا حكومات عربية، لا مؤسسات ثقافية جادة مؤهلة سوى لترجمات الجوائز، ركيكة وغير مجدية، سؤال صعب الإجابة عليه مؤكد: ما فائدة ترجى من ترجمة رواية عربية من قبل دار نشر عربية؟ ما الفرق بين النسختين العربية والأجنبية سوى تفاهة النسخة المترجمة لتسقط معها النسخة الأصلية، وهذه خسارتان في مهب الريح.
حافة الانقراض الثقافي العربي!

دور نشر عربية أكثر من الكتاب، لا تكاد تكشف صخرة حتى ترى تحتها دار نشر بعضها تبدو حقيقية من الظاهر ولكنها مجرّد وكر احتيالي تصطاد المتطفلين على الشهرة والحالمين بغلاف واسم على أيّ حزمة أوراق صفراء تحت مسمى رواية أو ديوان أو أيّ ترهات. الظاهرة منتشرة كلما اتسعت قافلة من يتطفل على الكتابة وهي ظاهرة تفسيرها سهولة النشر طالما دفعت مبلغًا أنت وحظك وسبب ومحرض هذه الظاهرة الاعتقاد السائد بأن الكتابة والتأليف ما هما سوى عناوين مثيرة توقع القارئ بكمين اللصوص والدجالين، دور نشر ونقاد ومواقع الكترونية، هذه الظاهرة منتشرة مؤخرًا وكادت تطغي على بضعة دور نشر حقيقية صارمة.
النقد…يا للهول، حدث ولا حرج. أسماء بعدد نجوم الظهيرة مهمتها التظاهُّر بالكتابة والقراءة والبحث والتحليل وتنتهي بترهات…النقد مات تمامًا ولا يوجد سوى بضعة أسماء ترى نفسها فوق التل والجبل ولا تقترب سوى من أسماء كغابرييل غارسيا ماركيز ونجيب محفوظ حتى تمنح نفسها بريق على أنها نقاد بمستوى هؤلاء الكتاب وعندما تبحث في تفاصل نقدها تكتشف سطحيتها برغم علامة الدكتوراه في النقد وهي في الواقع عاجزة عن الوصول لفهم القراءة وتستغرب عندما تستقبلها القنوات الفضائية بمقابلات لكونها تحمل رتبة جنرالات وحتى مارشالات أدبية!!
القراء…كارثة الكوارث وهناك إعلان عن انقراض القراءة الصحية ذات الخمس نجوم إلا من بقايا جيل القراء المتبقين صدفة، فغالبيّة القراء ومن ورائهم المنشورات المتعددة الجنسية العربية ذات الإثارة وربما بعض الأسماء البراقة تجتذب هؤلاء القراء الذين سلط عليهم هاجس البحث عن روايات أغلفتها وعناوينها وأسماء دور نشرها تدغدغ القراء الذين تستهويهم مجرّد الهواية تملأ فراغهم، فقد انقرض قراء القرن الماضي وحلّ قراء عصر الإيقاعات الراقصة! بالطبع لا يعني ذلك خلو الساحة من قراء يتحسرون على واقع مزرٍ ارتفعت فيه عناوين تدغدغ الفضول وليس العقول.
موجز يلخص الواقع السريالي. أعداد هائلة من دور النشر، آلاف الكتاب بأنحاء الكوكب العربي، وأقل أرقام نقاد يحملون الاسم وينتهزون الاهداء المجاني لهم لتسطير بضعة سطور زئبقية تدغدغ مشاعر كتاب حالمين بالشهرة القادمة مع الرياح الموسمية، لتطير في فضاءات النسيان، وهكذا بلغنا حافة الهاوية ولا تكاد تثق بالنجوم والكواكب والمجرات المتعلقة بالتأليف والنشر والتوزيع والنقد مما دفع من يرى هذه الحالة الغرائبية ذات الانتشار الأسطوري!! للاعتكاف عن القراءة ومراجعة النشر وتجنب القراء والنقاد الطارئين على الساحة.
الخالق الأول والخالق الثاني للكوْن!!

لا يختلف
الروائي عن الخالق، سوى في المعاناة، الأول صنع المعاناة للآخرين والثاني اكتسب
المعاناة من صنع الآخرين. ما يعنيني ومقالي بهذه الزاوية من الكتابة الآن هو
الخالق الثاني، الروائي الذي مهمته عسيرة وليست سهلة بقدر مهمة الأول الذي شكل
الكوْن وسرد الأديان، فالثاني الروائي، لا يختلف في مهمته عن الأول بالسرد، بخلق
العالم أولاً ثم زرعه بالأحياء، الأبطال والكومبارس، تمامًا كما في العالم الأول،
فقراء وأغنياء… يشتمل عالم الروائي بالرغم من الأجواء والمناخات الرتيبة، بذور
الخلق الأولى، خلق البنية البشرية، رجال ونساء، أزواج وعشاق، راهبات وعاهرات،
أبناء وأحفاد، مجرمين وقضاة، حكام وشعوب، ثم تتطور الرواية وتنشق عن أجيال وأجيال
كما في روايات الأدباء الروس، تولستوي وديستوفسكي وكما في مخلوقات غابرييل غارسيا
ماركيز وخلقه السحري الشنيع، ثم انقلابه على الأجيال وانعاشهم بحروب وصراعات، حتي
يبلغوا بدايات النهايات، عوالم وروائيين آخرين مثل جون تشاينبيك وغيرهم بمثابة
خلاق قاسين حينًا ورؤوفين نادرًا…
لا يختلف
الروائي عن ربّ البشرية في صناعة العوالم المهدورة بالحوادث والكوارث ونادرًا ما
تكون بميزان الكوميديا السوداء، وفي بساطة تقترب من المعجزة، يكتمل عالم الخلق
الروائي، بحياة وموت وإصابات، ثمة أعراس وأفراح ولكن سرعان ما تنقلب مع رياح
معاكسة إلى كوارث وهذا يدلّ على مزاج الخالق، الروائي، ما أذا كان يعيش بمجتمع
منطويًا قائم على التقاليد والخرافات والتابو، والمحرمات، وانعدام الحريات، خالقًا
دكتاتوريات كما هو في عالم الأول، فالدكتاتوريات بالعالم الثاني الروائي لم تأتِ
إلا لأنها نشأت في عالم الخالق الأول، الربّ ومن هنا نسخ الخالق الثاني الروائي
عالمه على نمط العالم الأول…
ثمة نتيجة
تبرز نتاج ذريعة متعلقة بالخالق الثاني وربما لا توجد لدى الخالق الأول وهي معاناة
تنبع بالخلق المتوتر، المشحون بوطيس حرب شنها الخالق الروائي على ذاته بصدد خلق
عالمه الروائي…فأسوأ ما نتج عن هذا الخلق، الإبداع، لدى الروائي المقتحم للمسكوت
عنه والخارق للمحرمات ومتحدي الدكتاتوريات، هي معاناة نتيجة الآلام الجسدية
والنفسية والأطوار الغريبة نتاج غوصه الدائم وهو بصدد خلق ابطاله وأمراضهم
وعلاجاتهم، موتهم وحياتهم، مقابر جنازات ونعوش وصدامات وحروب، أجواء ومناخات يخلقها
الروائي تنعكس عليه شخصيًا بثمنٍ باهض
نتيجة هذا الإبحار بالخلق…ولكن لن يشكو مما يعانيه أو يتعرض له طالما هو
الخالق، فلا يشكو…
هذا هو عالم
الروائي بإيجاز وهو يقتحم من المحظور…
أيها الروائي الحزين تبًا لأضواء المدينة المارقة!!
أيها الروائي الحزين تبًا لأضواء المدينة المارقة!!

من يلبي دروس صنع الرواية غبي، ومن يتلقى الدرس أحمق، الرواية ليست حلوى بالكاراميل، فمن لا يخشى الماضي ولا يأبه بالحصار ولا يتوجس من المستقبل المجهول وحده يملك مفتاح مدينة الرواية المسوّرة بالألغام والمحاصرة بقوافل القلق ومدجّجة بالآلام. ما أهون القول، الناقد هذه رواية لكن ما أصعب أن يبحر الروائي بمجهولها ويفني زمنه بين أسوارها. عندما تنسج رواية بعد ممر زمني عميق، مقطّع الأوصال وإثر تجارب خرافيّة فيأتي من يعلن عن منح دروس في الرواية!!
بعضهم يفني حياته، قلة من المجانين، المهوسين بالتعبير يجتازون الخط الفاصل بين الموت والحياة بمجازفات يعبرون فيها مشبوهين في أعين حرس الحدود، يختبرون فيها كيفيّة التسلُّل لولادة الرواية، يعبرون قاعات الترانزيت بمطارات العالم…لا يخشون طبول دقات القلب، يجازفون ومعهم أحلام اليقظة وهم ينفون من أوطانهم او يهربون منها وربما يعيشون المنفى فيها حتى تولد السطور الداميّة ويراكمون الكلمات الوحشية بالنعومة، كما الغابات وهي تحتضن الأسود والغزلان وتخلو من قوانين البقاء.
مرارًا يسألني بعض القراء، لماذا لا تتحدث كالآخرين عن تجربتك؟ ههههه…تأتي اجابتي مختزلة الصمت وابتعادي عن مولد الأضواء الباهرة وهي تسلط شحيح غروبها على الترهات…لأن الروائي لا يسرد آلامه خشية البوح بأسراره، والرواية هدية القارئ يكتشف أسرارها، فأيّ أحمق يبيع الرواية بتصريحات غبية قبل أن تقترب من خط التماس مع القارئ؟ أيّ روائي غبي يتبرع بل يفشي في ليلة شحيحة الضوء الغريزي، تفاصيل آلامه ومجازفاته لقراء أغبياء يشترون مضامين الروايات قبل أن تلامس أناملهم السطور المؤلمة.
الكوميديا السوداء بظني ليست وقائع الرواية كما أراها من شرفتي بعزلةِ سديمية، الكوميديا الرمادية تلك البهرجة والزيف المركب بين كاتب معجون بالنرجسية لرؤية صوره وافشاء تجاربه وإباحة سطوره مع تعرّية روايته إن كانت رواية على الملأ دون شعور بأن الرواية مخلوق سري لا يكشفه إلا من غاص في عزله معها من دون ضوضاء، فالرواية الجريحة نسيج آلام ومعاناة متمثِّلة فيما يصيب الروائي من آثار الثمالة بعد ولادة سطورها المريرة. ثم يأتي من يظنّ باسم النقد والإباحية الإعلامية يبتغي برخص التراب أن يفشي الأسرار. تبًا للنقاد الذين يظنون أن وظيفتهم فضح الرواية لتبرير نرجسيتهم، لهذا كله فضلت العزلة على أضواء المدينة الفيك، وأقسمتُ ألا أرشي ناقد من أجل تسوُّل كلمات زائفه من محفظته المُفلسة. الموت للنقد… وأترك العالم وراءك وأكتب بحرية.
أحمد جمعة يستأنف الولع بالمحرق في رواية(قمر باريسي)

أحمد جمعة يستأنف الولع بالمحرق في رواية(قمر باريسي) الجزء الثاني من ثلاثية القمر، بيضة القمر ، قمر باريسي، رقصة أخيرة على قمر أزرق
أصدر أحمد جمعة رواية جديدة تحت اسم ”قمرباريسي”. تقع الرواية في 350 صفحة من الحجم المتوسط وقد صدرت حديثاً عن المؤسسةالعربية للدراسات والنشر. الرواية هي الثانية في رصيد المؤلف على صعيد الإنتاجالأدبي، وكانت قد صدرت له ”بيضة القمر” في العام 2001 وأثارت عليه وقتئذ حنقأطراف دينية محافظة.
وحرص جمعة في روايته الجديدة على التذكير بأجواء روايتهالسابقة فأعاد كلمات الإهداء التي مهرها على شرف أبطال الرواية ”في بيضة القمر: إلى خديجة، الشيخ سيار، الشيخ خلف، محفوظة، نعوم، فرخندة، البحر وإلى الجميع”. ثمأتبعها بكلمات الإهداء التي وضعها على شرف أبطال روايته الجديدة ”في قمر باريسي: إلى مبارك، نسيمة، سلمان، خليفة، لطوف، موزة، والشيخ فضل، وإلى كل سكانالحي”.
ويتضح من التقنية المستخدمة في ضبط فصول الرواية أنها بمثابة جزء آخرإلى روايته السابقة. حيث سعى إلى عنونة رؤوس الفصول باسم واحد من أبطاله. وهيالتقنية ذاتها التي جرى استخدامها في ”بيضة القمر”.
زد على ذلك أن المكان الذيتدور على رقعته أحداث الرواية هو هو نفسه، أي مدينة المحرق. ثم تدخل إلى جوارهامدينة باريس لاحتضان جانب من الأحداث.
ويتردد أن ”بيضة القمر” تحوي إسقاطات تمالتقاطها مباشرة من وقائع عاصرها المؤلف في غضون سكناه في مدينة المحرق، لكن من غيرأن يتسنى التأكد من ذلك. ولا يعرف ما إذا كانت ”قمر باريسي” تمثل امتداداً لهذهالإسقاطات أو لا، مع إمكانية ترجيح ذلك. خصوصاً أن عبارة ”بيضة القمر” لا تلبثوتتردد في ثنايا الرواية الجديدة. يقول على لسان إحدى شخصيات الرواية ”حي أطلالقمر من هناك وابتسمت له وهي تتذكر قمر المحرق الكئيب مرت سحابة عابرة من حلم لمتتذكر منه سوى بيضة القمر”.
وتعرض جمعة للهجوم من قبل خطباء جوامع عقب إصدارروايته الأولى بسبب ما زعموا ساعتئذ أن أحداثها لامست سيرة بعض الشخصيات المعروفةفي مدينة المحرق. وكادت أن تتسبب الحملة في منع الرواية لولا أن جرى السماح لهاتالياً. في الوقت الذي آثر الكاتب الصمت وعدم الرد على هذه المزاعم.