الشهر: أوت 2018
أبو نواس يرقص الديسكو – عن حال الأمة!
أبو نواس يرقص الديسكو مسرحية صدرت العام 1982 عن دار الفارابي بيروت
تتناول سيرة شاعر الخليفة الهارون من حيث ولائه ومعارضته باسقاط عصري
ما زال قائماً الآن

مقطع من رواية ” لص القمر – سنمار الإخباري ” تصدر قريباً قصر أفيين
مقطع من رواية ” لص القمر – سنمار الإخباري ” تصدر قريباً قصر أفيين
مقطع من رواية ” لص القمر – سنمار الإخباري ” تصدر قريباً
قصر أفيين

بدأ الاحتفال بصوتٍ مروِّعٍ ارتجت على إثره المدرجات الخمسة الأمامية التي امتلأت بالضيوف والمدعوين بحسب مراتبهم ودرجات مناصبهم، كان الصوت عبارة عن طلقات صوتية هائلة رافقتها سحابات من أدخنة زرقاء اللون لم يسبق لأيٍ من الموجودين سواء داخل المملكة أو خارجها أن سمع هذا الدوي الهائل أو أبصر ذلك الدخان الأزرق الذي سبح للفضاء على هيئة دوائر حلزونية. توالت الطلقات وتصاعدت الأدخنة فكادت تحجب رؤية الجمهور الكبير الذي ملأ المدرجات عما يجري خلف الضباب الأزرق، في غضون ذلك وتزامناً مع صوت قرع الطبول الذي استمر حتى ارتجت الأرض مرة أخرى على أفواجٍ من العربات تتقدمها خيول بيضاء وسوداء تنبثق من قعر الضباب الأزرق وتعبر أمام الجمهور. زاد من ذهول الحضور بروزَ رهط من المقاتلين الأشداء يقودون مجموعة من الأسود التي بدت جائعة من سمات تكشيرها الوحشي، بدا ذلك استعراضاً للقوة أظهره الملك الأعور ليكشف للجمهور المتحفز عن جوهر المحاربين الأشاوس في استعراض واضح للقوة ربما أراد منه بعث رسالة للمتمردين وحتى للممالك المجاورة التي بدأت تتحرش بحدود مملكته. تلا ذلك عرضٌ حربي لمختلف فرق الجيش التي خرجت بالمئات مدججة بالرماح والسهام والسيوف، في طوابير بعضها على الخيول وبعضها مشاة يحملون الدروع بيدٍ والرماح بيدٍ أخرى. توالت الحشود العسكرية إلى أن بلغت المكان عربتان ملكيتان مزخرفتان بالذهب والماس يعلوهما علمان طويلان للمملكة على هيئة مستطيلين من اللونين الأزرق والأبيض، يتوسطهماً تاجٌ باللون الأسود أوحى بمهابة البلاد. توقفت العربيتان في الوسط أمام المدرج الأول الذي احتشد فيه كبار الشخصيات من وفود الممالك والبلاد الخارجية، منهم ملكان وعدد محدود من أولياء العهود، مع زمرة من ممثلي الإمارات والولايات المجاورة والبعيدة التي ترتبط بعلاقة وثيقة مع مملكة الحيرة، منهم العرب والتتار وحتى الفرس الذين أبدوا في الفترة الأخيرة عداء للأعور بعثوا بوفدٍ يمثلهم.
قُرِعت الطبول بحدةٍ وأُطْلق البوق معلناً عن خروج الملك الأعور وبرفقته الأميرة أفيين وقد ارتدى الاثنان ملابسهما الملكية التي أبهرت الحضور حيث بدا الملك الأعور كإمبراطور خرافي وهو يرتدي حلة بدت على هيئة نسق الطاووس، رُصعت بالجواهر والذهب ولفت السائح الأنظار خلو رأسه من التاج الملكي الذي بهرج رأس الأميرة أفيين وهي بصحبته، بلباسها الملكي المكون من فستان زاهٍ رُصع بالجواهر التي لمعت في وهج أشعة الشمس الدافئة، وقفاز أسود اللون أطرافه ذهبية اللون مع حذاءٍ ذهبي سارت إلى جانبه وهما يصعدان المنصة ليأخذا مكانهما وسط المدرج بين عددٍ من أفراد الأسرة من أبرزهم الأمير نهار الصباح الذي انتصب يستقبلهما لدى بلوغهما المنصبة الرئيسة،. حينها قُرِعت الطبول ثانية معلنة بدء الاحتفال وسط ذهول وتساؤلات وشكوك دارت برؤوس الحضور، خاصة أفراد الحاشية وأعيان البلاد عما يعنيه ارتداء الأميرة أفيين التاج بدلاً من الملك الأعور ذاته، فتقاليد المملكة منذ نشأة حكم أسرة السائح لم تعرف البلاد لقب ملكة ولم يسبق لأي من زوجات ملوك الحيرة السالفين أن سمحوا لزوجاتهم باعتلاء التاج، وهذه المرة الشاذة التي ثارت فيها الأسئلة والهمسات بين الجمهور الذي لم يعتد على رؤية أميرة تتوج دون أن تُمْنَح لقب ملكة، كان محور الهمسات ما إذا سيعلن الملك الأعور تتويج الأميرة أفيين كملكة، وهذا يتعارض مع تولي الأمير نهار الصباح ولاية العهد كخلف لوالده الملك.
هدرت بعد ذلك الاستعراضات المختلفة وكان أبرزها العروض الحربية التي رافقتها إشارات مختلفة حول البذخ الباهر الذي بزغ في هذا الاحتفال الساطع وكنس الشائعات المنتشرة عن إفلاس المملكة، بدا الذهول على وجوه وسمات الحضور جميعهم بمن فيهم وفود البلاد الخارجية الذين لم يصدقوا عيونهم تجاه هذا الإسراف الذي فاق الخيال، فهذه الكميات من الذهب والجواهر وهذه الفخامة في العروض وما حفل فيها الاستعراض كله من انبهار أذهل الجميع، يتناقض مع ما تردد عن إفلاس خزينة البلاد، كما أُشيع، كل هذا البذخ ولم تبدأ بعد رؤية القصر الذي بلغت أخباره الدنيا شرقاً وغرباً.
“هل رأيت الذهول على وجه القوم؟”
همست أفيين بالسؤال في أذن زوجها وهي ترمق المكان الذي بدا أشبه بعروض الممالك الرومانية والإغريقية التي وردت أخبارها في كتب التاريخ، لم تسأل عن من يقف وراء هذا الانبعاث المذهل الأسطوري، بل وقفت عند مصوغات الذهب وألوان الجواهر وأحجام الألماس التي انبثقت من خزائن لم تعلم بها من قبل، كانت تتولى شئون البلاد كلها وأفرغت خزينة المملكة بعلمها على بناء القصر في موعده كما وعدت زوجها السائح، وهي تعلم بما تبقى من ثروة كادت تنضب وأدت لثورة الجياع التي تجتاح البلاد الآن، فمن أين خرجت وانبعثت فجأةً كل هذه الثروة الخيالية التي بزغت في العرض الأسطوري؟ هذا ما شغلها وظلت ترمق زوجها كأنها رغم سعادتها الفائقة تنكر عليه بعتبٍ إخفاءه سر هذه الثروة التي نبتت بغتةً من وراء الغيب، كانت مذهولة ومأخوذة بالعرض ورأت في الأعور ملكاً غير الذي عرفته من قبل، فقد تظاهر بالفقر وأبدى عجزه عن مواصلة بناء القصر، بل ترك البلاد تفقر وتجوع، وصمت حتى انفجرت الانتفاضة دون أن يكشف عن تلك الثروة الجسيمة التي يجلس عليها، حتى ذاتها ورغم قربها منه، لم تتكهن أن ترى ما رأته الآن بأم عينها وأثار فضولها.
لمحت الأعور يحدق فيها مبتسماً بنظرة خبيثة كما لو كان يستفز فضولها حول ما رأته الآن واكتشفته من بذخٍ فاق الخيال، بدت ابتسامته لها طوال الوقت مستفزة وساخرة ولكنه سرعان ما مال عليها وهمس في أذنها.
“كل هذا من الاقتراض”
مصير الخونة على السفينة بنفسج مقطع من الرواية
مصير الخونة على السفينة بنفسج مقطع من الرواية
مصير الخونة على السفينة بنفسج
مقطع من الرواية

«أول ما ينبت الشعر الأبيض في رأسك، ستضحين الربان .»
أقسمت له أنها منذ يومين رأت شعرة بيضاء سقطت من رأسها،
ضحك وقال لها أين شعرك؟ أصعب السنوات كانت تلك التي حظيت
بالمواجهات مع السفن الأجنبية ومع سفن الغرباء المجهولة التي
كانت تقتحم المنطقة لسلب المراكب التي تحمل المؤن والمعادن،
لم تستطع البحرية الملكية البريطانية أن تتكفل بحماية البحار كافة
في المنطقة ما دفع السليط إلى أن يوكل إلى رجاله مهمة التكفل
بحماية السفن العابرة مقابل نسبة من المؤن وقدر من الأموال. كان
يفرض ما يشبه الجزية أو إتاوة على كل من يعبر العباب، وبذلك كان
يغذي رجاله وسفنه إلى أن بلغ حقبة بدأ فيها أعداؤه يتحالفون عليه
رغم ما بينهم من حروب وصراعات جانبية، دخان ودمار ورعب عم
البحار، نمت بنفسج في خضم هذه الأجواء وتربت على المجازفة
إلى أن حانت اللحظة التي حررها السليط من الشكوك في ضعفها أو
إرادتها بعد أن امتحنها في إحدى المواجهات حينما اشتعلت النيران
في مقصورته التي كان يقود منها حربه مع سفينة تركية حربية مجهزة
للحروب بين الدول. كانت مغامرة منه خوض تلك المجازفة لكنه
بعد حسابات قام بها أذعن لنصيحة عابرة تفوهت بها بنفسج عن
رؤيتها له وهو يدمر تلك السفينة المجهزة بالمدافع البعيدة المدى
والمتعددة القذائف، لم يطلع رجاله على تصريح بنفسج خشية الشك
في سلامة عقله، اكتفى بإعلان رغبته في مواجهة تلك البغلة التركية
المخيفة فنصحه بعضهم بتجنب الاحتكاك بها، وعندما أبلغ سراً إلى
بنفسج رأيهم أجابته بأنه يضيع فرصة انتصار سترويها الأجيال، لأن
أحداً لم يسبق أن واجه تلك السفينة، حتى الإنكليز يعلمون عنها
ويتجنبونها، تجرد ساعتئذ من عواطفه وأجرى حساباته البحرية
والحربية وفحص الأمور من جوانبها كافة وقرر مشورة بنفسج الفتاة
التي لا علم لها بفنون الحروب والمعارك سوى أنها منحته تخميناً
لا يُتَّكَل عليه من ناحية العقل. قامت حساباته على قصر مدى مدفعه
وطول مدى الأخرى، لكنه رتب بعناية قصوى مناورة محبوكة مع
بقية سفنه الأربع قبل أن يوحي للأتراك بنيته، منح سفينتين من سفنه
حرية الاقتراب من السفينة التركية ثم رتب سفينتين أخريين في ركن
من المياه معاكسة للرياح وسرعتهما بطيئة جعلهما تناوشان السفينة
التركية، استغل انشغال السفينة المعادية بطرفي سفنه الأربع وانقض
عليها وأمطرها بقذيفتين هائلتين ردت عليه البغلة التركية بقذيفة
لانشغالها بالسفن الأخرى ما أدى إلى اشتعال النيران في مقصورته
فهرعت نحوها بنفسج لتطمئن إليه وفي الوقت نفسه طفقت تساعد
الرجال على إطفاء الحريق، لم تبالِ بالنار والدخان الذي عم المكان
واختنق به عدد من البحارة فيما كانت هي تتحرك بضراوة وكأنها
الساحرة التي ذكرها الحول منذ كانت طفلة.
عندما رأى الرئيس السليط ألسنة النيران تتصاعد من البحر
على بعد فرسخ اعتقد رجاله أن إحدى سفنهم دُمرت لكن الدهشة
علت وجوه الجميع عندما أعلنت بنفسج أنها السفينة التركية تحترق
ونصحت بقذيفة أخرى توجه نحو مصدر النيران حتى يتم الإجهاز
الكلي عليها، شك الربان ومساعدو الرئيس في سلامة هذا التخمين
الذي صدر أمامهم على السطح وهم يطفئون حريق القمرة، كان
مصدر الخوف أن تتوجه الطلقة نحو إحدى سفنهم المصابة بدلاً
من السفينة التركية التي لا يمكن التأويل أو التكهن بنصيحة فتاة
يانعة رغم ما أبدته خلال السنوات الماضية من رجاحة ومجازفة.
لكن الرئيس تصرف بسرعة وقبل فوات الأوان وجازف لأول مرة
في حياته بقرار حربي يرتكن فيه إلى صوت صبية في نظر رجاله،
قام بتربيتها ولم يشبّ عودها بعد لتصبح صاحبة رأي حربي.
حين أطلق القذيفة، تحول البحر إلى أخشابٍ وجثث وتلون
الماء بلون الدم، اقترب مسافة من المكان، كان اللهيب يعم المحيط
والسماء بدت سوداء من شدة الدخان، حينئذ أدرك السليط أن هذه
الفوضى مصدرها السفينة التركية، كان الثمن إعطاب مقدمة إحدى
سفنه تم إنقاذ بحارتها ومقاتليها، في المقابل غاصت البغلة التركية
جثة هامدة في القاع، لتتحول تلك الحادثة إلى رواية تحكى في
المنطقة، دفعت سلطان عُمان لدعوة السليط على مائدته لكنه من
يومها ظل لثلاث أو أربع سنوات في البحر لا يغادره إلا من سفينة
إلى أخرى. كانت تلك المناسبة التي أدت إلى إطلاق اسم بنفسج
على السفينة البديلة التي أوصى بها لتجهز في غضون سنتين وبضعة
أشهر.
هل كانت حقاً ساحرة كما تيقن الجميع؟ هل كانت صدفة أو
مجازفة ضربت كما شاء القدر؟ ظل الكلام والتأويل فترة طويلة
حتى إن البعض تجنب الخوض مع الفتاة في أي حوار تجنباً لردة
فعلها. كان إعجاب السليط بها بلا حدود وأقسم أن يجعلها رباناً
لإحدى سفنه بمجرد أن تبلغ الثلاثين لكن المرض والضعف الذي
انتابه بعد سنوات قليلة جعله يهرع إلى تسليمها سفينة البنفسج كما
أطلق عليها، فكان ذلك إعلاناً مدوياً ضجت به سفن الرئيس ما دعاه
إلى عقد خلوة مع كبار رجالاته وألقى فيهم كلمة مقتضبة، صارمة
وحازمة، مفادها أن بنفسج منذ الآن ستقود البنفسج ومن له رغبة
في عدم قبول ذلك ويود أن يشاكس أو يعترض عليه أن يبدي رأيه
منذ اللحظة ويغادر المكان. دفعهم ذلك الصباح الخريفي وهو
يتجه بسفينته الهرمة الساهرة نحو مرفأ صور، أن يقسموا على الولاء
لبنفسج، وأنه سيراقب أداءهم معها ولو شك في من يعيق قيادتها،
هي التي ستتكفل به، وذكرهم بحادثة الخونة الثلاثة الذين أشرفت
على إلقائهم في البحر. كانت تلك آخر الكلمات التي قالها الرئيس
لرجاله جميعهم لتتولى بنفسج في إثرها قيادة سفينة البنفسج، لكنه
لم يغادر السفينة تلك ويتركها وحدها، ظل زاهداً، مرتدياً معطفه
الثقيل معتكفاً في صومعته مع كتبه وقراطيسه العتيقة، مخلفاً المرأة
التي اجتازت الخامسة والعشرين وحدها تقود سفينة بحجم سفن
سليمان السليط. بعد مضي أيام على قيادتها للسفينة لم يدرك الرجال
معها أنهم سيترحمون على أيامهم مع الرئيس السليط نفسه، فقد
تولت أمرهم لعنة البحر.
«ما الذي يمكن أن تخفيه الفتاة؟ هل هي مخلوقة ساحرة؟
أم هي دجالة؟ كيف استحوذت على السليط وهي لا تزال يانعة لم
تختبر خطوب الحياة وضروبها كما عاشها الرجال الصناديد؟ »، هذه
الأسئلة والأقاويل والإشاعات التي دارت في السر بين المحيطين
بها، رغم الثرثرة التي ما برحت تملأ الأرجاء في الخفاء إلا أن
الخوف كان مسيطراً على الجميع حينما شاهدوا بأنفسهم كيف
تصرفت الفتاة؟ جعلت البعض من البحارة يفضلون وجود السليط
نفسه على حضورها المهيمن على السطح، لا تترك المكان إلا عند
النوم، فجعلت كل رجل مسمراً في مكانه حتى اليوم التالي، أرغمت
الجميع على العمل بدأب مثلما تعمل هي، لم تعتكف في الأسفل،
ولم تنعزل في المقصورة الخاصة بها، كانت دائبة الحركة باحثة في
الأرجاء والزوايا وحالما ترى حبلاً في غير مكانه أو شراعاً متسخاً أو
مياهاً على السطح، أو رائحة أسماك عفنة، تجبر البحارة على العمل
لإصلاحه وإزالة الأوساخ وتنظيف المكان حتى لو كان منتصف
الليل، شيء واحد لم تجبرهم عليه كما كان يفعل السليط هو أداء
الصلاة، لم تهتم بمن يصلي أو بمن لا يصلي، بل إنها فرضت على
الرجال من يريد أن يصلي عليه أداء الصلاة في وقتها وإلا لن يُسمح
له بوقت خارج الميعاد، كان أكثر ما يثير استياءها صوت الأذان حين
ينطلق من أحد الرجال فيهرع البقية وراءه، وكان أشد ما يفزعها أذان
الفجر.
***__