الأسماك تحيا على اليابسة

مقطع من رواية”الخراف الضالة” وقائع فبراير 2011

أخذتُ أقذفه بالأسماك الميتة واحدة تلو الأخرى وكلما غطس وأخرج رأسه من الماء رحت اقذفه بالمزيد منها حتى لفتَ أنظار بقية الزمرة، ثم فجأة اقترب مني وبدا وجهه مخيفاً وكأنه شبحاً جنياً، كان بسني ولكن وجهه اختلف عن وجوه الأطفال، رأيت الوجه لأوّل مرّة وآخر مرة، ولكنه ظلّ يلاحقني في أحلامي وكثيراً ما كان ينقذني من أخطار محدقة توشك أن تقع لي، ولهذا قصة أخرى سيأتي زمنها،  أما هي فقد تسلّلت تدريجياً نحو سرب الفتيات من غير أن أدرك ما إذا عرفن شيئاً مما جرى تحت سطح الماء، فقد اختلطت الحوادث بسرعة وسط غمرة المتحمسين لجمع الأسماك وبين المشاجرات التي افتعلها بقية الصبية الذين هرعوا لجمع الأسماك من دون أن يشاركن معنا في حفلة السم التي أوشكت على الانتهاء، وقد غرق سطح البحر بالأسماك التي كانت في أغلبها صغيرة ولا تؤكل وإنما نكتفي بتسميمها وقتلها وتركها تطفو ثم تجرفها التيارات إلى الساحل فتتغذى عليها القطط والكلاب وتلفظها الطيور التي كانت تفضلها وهي حية في الماء حيث تنقض عليها وتلتقطها وتحلق بها حيث نشاهد السمك يرقص من الألم قبل أن يسقط في البحر نتفاً وشظايا.

حالما أخلع ملابسي في بداية النهار وأغطس في الماء ينتابني شعور أشبه بالنعاس يتسلل لأطراف جسدي ويخدر بشرتي فلا أشعر بشيء سوى الفراغ الداخلي،  أنقطع فيه عن العالم الخارجي فأظل أغطس مرات حتى تنتابني قشعريرة تجرفني نحو إحساس مفعم باللذة التي معها أشعر بالانتصاب وأنا في الماء وقد قادني ذلك مرات لأغفوا وأجد نفسي بقرب المياه العميقة حيث الخور الذي يفصل بين ساحل المحرق القريب من بيت عبد النور وساحل عراد المطل من الجانب الآخر ويتم الوصول إليه عن طريق العبارات الشراعية الصغيرة، وحدث أن فوجئت بنفسي بعيداً عن زمرة الأصدقاء الذين لا يبالون بمدى انجرافي مع تيارات البحر لاعتقادهم  بقدرتي على السباحة والسيطرة على الموج ولكن الخوف كثيراً ما تملكني حينما أرفع رأسي فوق السطح فأرى البحر من حولي وكاد الساحل يختفي بدوره عن ناظري، كنت أتوحد مع الموج وأشعر بروح الخوف تندمج مع اللذة التي تستدرجني من الداخل فأسارع بالعودة منهكاً ويطبق علّي النعاس أثناء سيري نحو الدار، وفي الليل حينما أغطسُ بالنوم تتدحرج الأحلام مكثفة من حولي، فتنتابني الصور متلاحقة، خليط من الفتيات والأسماك والقوارب التي تسرح بي وسّط افتتاني بغموض البحر الذي يحتويني من خلال الأحلام، فترافقني تلك الصور خلال النهار وفي المدرسة وأثناء اللعب وحتى في عزلتي التي تبدأ مع نهاية الليل بعد أن تهاجمني الأفكار وتلعب برأسي صور الفتيات اللواتي أشاهدهن طوال اليوم في الحي ثم تلتصق بي صورهن آخر الليل …

الكاتب: loutes99

روائي بحريني اصدر العديد من الروايات والمسرحيات والدراسات للمؤلف ... - شهرزاد الحلم والواقع مسرحية مجلة الأقلام العراقية - الصعود الى المنحدر الرمادي مسرحية مجلة الأقلام العراقية - ابونواس يرقص الديسكو مسرحية......دار الفارابي– 1982 - فنجان قهوة للرئيس مسرحية دار الفارابي - سينما التحولات دراسة نقدية لسينما يوسف شاهين ....دار الربيعان للنشر والتوزيع – الكويت 1986 - كرة الرماد دراسة – وزارة الإعلام – البحرين - الديمقراطية الالكترونية دراسة مؤسسة الأيام للنشر التوزيع البحرين - 1997 - الديمقراطية الانقلابية دراسة في مشروع الإصلاح البحريني- مؤسسة الأيام للنشر والتوزيع البحرين 2005 - بيضة القمر رواية – المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2001 - قمر باريسي رواية المؤسسة العربية للدراسات والنشر– 2009 - الخراف الضالة رواية دار الفارابي - رقصة أخيرة على قمر أزرق - رواية - يسرا البريطانية - رواية - خريف الكرز رواية - حرب البنفسج رواية - لص القمر سنمار الإخباري صدرت مؤخرًا - القرنفل التبريزي - ابو العلاء المعري - دار الفارابي - 2020 - ليلة الفلفل في لوغانو -رواية دار اسكرايب 2022

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: