صوت خطوات في الخارج، صوت شاحنة تبتعد تليه أصوات رجال يتجادلون، تعود تنظر في عيني الرجل الذي كاد ينتهي من فحصها، لا شيء ينم عن تعبير ما يطبع ملامحه، كل جزء من وجهه جامد ما عدا عينيه تعكسان قلق واضح تفسره نبرته الهادئة.
“لا تستبقي الأمور، هناك محاكمة ميدانية يتحدد فيها مصيرك آمني بالله واليوم الآخر، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”
من فرط شجونها التي تتدفق كالزبد فوق سطح البحر لمست روحها المناسبة من داخل جسدها تنزلق نحو قاع سديمي يوشك أن يبتلع خوفها ويحولها لانقطاع عن الشعور بشيء، لم تعد تشعر بالجوع ولا بالحر أو البرد، فقد استنزفتها العزلة والأشباح والتفكير في الموت قبل أن تفهم ما يجري ولا كيف انزلق بها الكون نحو الهاوية؟ تحدت خوفها وحبست أنفاسها وقالت للرجل وهو يهم بالخروج لدى مجيء الشخص الآخر المكلف بحراسة المكان.
“من هؤلاء الذين يحتجزونني؟ أخشى الموت قبل أن افهم ما يجري لي”
التفت نحوها الرجل وفاجأها بابتسامة صفراء لم تر مثلها قط وقال بنبرة ختامية.
“توكلي على الله”
مع تزايد حالة الهزال وبروز عظام وجهها واسمرار بشرتها بدأ يطرق ذهنها ضوء يتسرب من أعماق عقلها الباطن الذي اختفت فيه كل الصور والمشاهد للسنوات والشهور المنصرمة، شعرت تدريجياً بوضوح في الرؤية لم يسبق لها أن شعرت به، إذ أخذت العزلة تفتح خزانة العقل الباطن وتخرج منه الصور والأسرار والخبايا وتفرشها أمامها كأنه سد وتحطم فخرجت منه كل الألغاز، رأت العلاقة واضحة كالشمس بين مايك وسمر قنب والمحامية الليبية، رأت الخيوط منسجمة بين الفريق الركن والملتحين الذين التقت بهم في لندن وفي المخيمات، رأت جبار الشريف في المرأة المنقبة وكيف ابتعد طيفه عنها، وسعت المسافات وزادت الهوة، رأت الغبار الصحراوي يطغى على الضباب اللندني والصورة أصبحت معتمة، جاءت من أجل الزبير والعودة للدار وشم الرازجي ثم انبثق حلم الشريف بعده انتظار الإعدام، مسافة مختصرة للموت، كل التداعيات اختزلتها الحجرة الترابية الصغيرة المبنية من الطوب الطيني المجفف ونافذتها الصغيرة القابعة في زاوية السقف العلوية ذات الأعمدة المتراصة الضيقة والتي لا تستطيع بلوغها ولكنها للتهوية ومنها يتسرب الغبار الكثيف الذي سبب لها السعال المزمن،
“هل سأشنق؟”
صوت خطوات في الخارج، صوت شاحنة تبتعد تليه أصوات رجال يتجادلون، تعود تنظر في عيني الرجل الذي كاد ينتهي من فحصها، لا شيء ينم عن تعبير ما يطبع ملامحه، كل جزء من وجهه جامد ما عدا عينيه تعكسان قلق واضح تفسره نبرته الهادئة.
“لا تستبقي الأمور، هناك محاكمة ميدانية يتحدد فيها مصيرك آمني بالله واليوم الآخر، قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”
من فرط شجونها التي تتدفق كالزبد فوق سطح البحر لمست روحها المناسبة من داخل جسدها تنزلق نحو قاع سديمي يوشك أن يبتلع خوفها ويحولها لانقطاع عن الشعور بشيء، لم تعد تشعر بالجوع ولا بالحر أو البرد، فقد استنزفتها العزلة والأشباح والتفكير في الموت قبل أن تفهم ما يجري ولا كيف انزلق بها الكون نحو الهاوية؟ تحدت خوفها وحبست أنفاسها وقالت للرجل وهو يهم بالخروج لدى مجيء الشخص الآخر المكلف بحراسة المكان.
“من هؤلاء الذين يحتجزونني؟ أخشى الموت قبل أن افهم ما يجري لي”
التفت نحوها الرجل وفاجأها بابتسامة صفراء لم تر مثلها قط وقال بنبرة ختامية.
“توكلي على الله”
مع تزايد حالة الهزال وبروز عظام وجهها واسمرار بشرتها بدأ يطرق ذهنها ضوء يتسرب من أعماق عقلها الباطن الذي اختفت فيه كل الصور والمشاهد للسنوات والشهور المنصرمة، شعرت تدريجياً بوضوح في الرؤية لم يسبق لها أن شعرت به، إذ أخذت العزلة تفتح خزانة العقل الباطن وتخرج منه الصور والأسرار والخبايا وتفرشها أمامها كأنه سد وتحطم فخرجت منه كل الألغاز، رأت العلاقة واضحة كالشمس بين مايك وسمر قنب والمحامية الليبية، رأت الخيوط منسجمة بين الفريق الركن والملتحين الذين التقت بهم في لندن وفي المخيمات، رأت جبار الشريف في المرأة المنقبة وكيف ابتعد طيفه عنها، وسعت المسافات وزادت الهوة، رأت الغبار الصحراوي يطغى على الضباب اللندني والصورة أصبحت معتمة، جاءت من أجل الزبير والعودة للدار وشم الرازجي ثم انبثق حلم الشريف بعده انتظار الإعدام، مسافة مختصرة للموت، كل التداعيات اختزلتها الحجرة الترابية الصغيرة المبنية من الطوب الطيني المجفف ونافذتها الصغيرة القابعة في زاوية السقف العلوية ذات الأعمدة المتراصة الضيقة والتي لا تستطيع بلوغها ولكنها للتهوية ومنها يتسرب الغبار الكثيف الذي سبب لها السعال المزمن،